أولئك أنا!
الأحد - 14 أغسطس 2022
Sun - 14 Aug 2022
لست العقاد لأتجاوزه أو لأزايد عليه وعلى تاريخه الإبداعي والمعرفي، وليست أيامي بأثرى من أيام طه حسين؛ لأوثقها في سيرة ذاتية تخصني وحدي، فأنا قطعا لا أملك سجلا إبداعيا حافلا يجعل الآخرين يقرؤون أيامي، ويحاولون من خلالها تشريح هذه الأنا الإنسانية التي تختزل في شكلها ومضامينها، هويتي وهواياتي وتاريخي وأيامي، تلك الأنا التي ما فتئت تحاول الانطلاق رغم جمود واقعها الذي يحاصرها ويحصرها داخل مربعات حياتية تمثل ذلك الإطار الذي يجسد سياقها داخل المجتمع الذي تعيش فيه، وشيء من معالم نسقها الذي قد يميزها عن الآخرين.
العقاد شرح وشرّح ذاته الإنسانية والإبداعية أو ما نسميه بسيرته الذاتية في كتابه الشهير (أنا)، قد يكون ذلك العنوان يعكس شيئا من نرجسية المبدع العقاد وليس الإنسان، كونه أراد من تلك السيرة أن يطبع في أذهان الناس صورة ذاتية خالصة وخاصة تحتم على الجميع عند الوقوف عليها أن يشاطروه ذلك الرأي وتلك الرؤية.
ماذا لو أجبر بعض المؤثرين على كتابة سيرهم الذاتية، وكان ذلك متطلبا من متطلبات الحضور أو البقاء في الذاكرة الجمعية؟ ما عسى الواحد منهم أن يقول عن نفسه وهو مضطر للكتابة عن أناه الخاصة التي عرفها مجايلوه والمحيطون به، الراضون عنه والساخطون عليه على حد سواء؟!
على مستوى الوظيفة العمومية، لو افترضنا أن كل وزير عادي، تصدى لكتابة سيرته الذاتية، لا لشيء سوى لأنه كان وزيرا، ما عساه أن يظهر وما يجب عليه أن يستبطن في تلك السيرة؟ كيف سيتحدث عن طفولته وكيف تأتى له أن يصبح وزيرا يشار إليه بالبنان؟ كيف كان في وزارته وكيف تعامل مع الصعوبات والمعوقات التي واجهته؟ ما هي المحاذير التي ينبغي عليه عدم الاقتراب منها فضلا عن ملامستها؟
في المقابل دعونا نتأمل ما قد يكتبه موظف بسيط عن حياته وكيف ستكون سيرته الذاتية في عمله ومجتمعه؟ أعتقد أن الموظف الصغير ستكون سيرته الذاتية أصدق وأقرب لنفوسنا وشعورنا ومشاعرنا، كونها مغلفة بالصدق، وليس لديه ما يخفيه ويخيفه، وستكون أناه الحقيقية طاغية على نصه خلف الكلمات وبين السطور، متجلية للقارئ من خلال تلك التعابير التي تنضح بالصدق والوضوح.
شخصيا لو خيرت أي سيرة ذاتية أحب كتابتها لاخترت سيرة أبي على سيرتي، سأكون متفجرا وأنا أرسم ملامح تلك الذات التي عشقتها وعشتها وعايشتها ردحا من الزمن، سأكون مسيرا وأسيرا لمناقب تلك الذات التي ورثتها عنه وسأورثها لأولادي من بعدي، سأرى أنه من البر أولا ومن الوفاء ثانيا أن أرصع تلك السيرة بكل معاني الحب والوفاء، وقبل ذلك التحلي بالموضوعية والتجلي بالوضوح، سأكون جريئا وأنا أجسد أبي في كلماتي وعباراتي وتحليلاتي، ولن أشعر أن هناك محذورا مهنيا أو محظورا عرفيا يمنعني من أن أجسده في أكمل صورة وأجمل حال.
أعشق أدب السيرة وأحب قراءته وتفحصه في سياقي المعرفي العام ونسقي الإبداعي الخاص، ولعل سيرة الأديب المصري أحمد أمين من أجمل السير التي شعرت بها، وأشعرتني أنني أمام (أنا) صادقة ومصدقة، كونها كانت مباشرة واضحة، لا تروم سوى الحقيقة وتقديمها للقارئ كمراحل حياتية لكاتب عظيم، أثرى وأثر في مجايليه المتفقين معه والمختلفين عنه، حتى من جاء بعدهم وقرأ تلك السيرة فإنه سيلمس ويلتمس الصدق وصوره ومعانيه في تلك الذات الإنسانية الوقورة، المعتقة بتلك التجارب الحياتية المميزة، التي ما زالت تعد من التجارب المتفردة والعظيمة في سلاسل أدب السير وأعلامه.
أما لماذا أولئك أنا؟ فمرده يعود إلى أن المشترك الإنساني بين الكاتب والقارئ الحاذق يكون كبيرا، وخاصة عندما يتشاركان الزمان والمكان ذاته، ومن هنا تصبح كل سيرة إنسانية راقية هي سيرة جمعية لكل من يسعى إلى الكمال الإنساني وينشده، كما أن الفرص التي تأتت لأولئك الكبار فأصبحوا من خلالها أعلاما يشار إليهم بالبنان كل ذلك جعل من سيرهم الذاتية صورة للمثالية المنشودة في المنجز والتجربة والحضور، حتى على صعيد المآسي الإنسانية عند هؤلاء الأعلام، تبقى تلك الحوادث الموثقة قوالب مثالية للسلوى بكل منعرجاتها السابقة واللاحقة وتعرجاتها التي أحدثتها؛ لأن فيها الكثير من الصور الإنسانية الصادقة كونها تجسد طموحاتنا الجموحة وشيئا من ملامحنا الحقيقية وآمالنا وأمنياتنا المستقبلية، وهذا ما يجعل كل السير التامة في معناها ومبناها هي سيرتي وسيرتك وسيرة القادمين إلى أدب السيرة كتابة وقراءة وتجربة وحياة.
@alaseery2
العقاد شرح وشرّح ذاته الإنسانية والإبداعية أو ما نسميه بسيرته الذاتية في كتابه الشهير (أنا)، قد يكون ذلك العنوان يعكس شيئا من نرجسية المبدع العقاد وليس الإنسان، كونه أراد من تلك السيرة أن يطبع في أذهان الناس صورة ذاتية خالصة وخاصة تحتم على الجميع عند الوقوف عليها أن يشاطروه ذلك الرأي وتلك الرؤية.
ماذا لو أجبر بعض المؤثرين على كتابة سيرهم الذاتية، وكان ذلك متطلبا من متطلبات الحضور أو البقاء في الذاكرة الجمعية؟ ما عسى الواحد منهم أن يقول عن نفسه وهو مضطر للكتابة عن أناه الخاصة التي عرفها مجايلوه والمحيطون به، الراضون عنه والساخطون عليه على حد سواء؟!
على مستوى الوظيفة العمومية، لو افترضنا أن كل وزير عادي، تصدى لكتابة سيرته الذاتية، لا لشيء سوى لأنه كان وزيرا، ما عساه أن يظهر وما يجب عليه أن يستبطن في تلك السيرة؟ كيف سيتحدث عن طفولته وكيف تأتى له أن يصبح وزيرا يشار إليه بالبنان؟ كيف كان في وزارته وكيف تعامل مع الصعوبات والمعوقات التي واجهته؟ ما هي المحاذير التي ينبغي عليه عدم الاقتراب منها فضلا عن ملامستها؟
في المقابل دعونا نتأمل ما قد يكتبه موظف بسيط عن حياته وكيف ستكون سيرته الذاتية في عمله ومجتمعه؟ أعتقد أن الموظف الصغير ستكون سيرته الذاتية أصدق وأقرب لنفوسنا وشعورنا ومشاعرنا، كونها مغلفة بالصدق، وليس لديه ما يخفيه ويخيفه، وستكون أناه الحقيقية طاغية على نصه خلف الكلمات وبين السطور، متجلية للقارئ من خلال تلك التعابير التي تنضح بالصدق والوضوح.
شخصيا لو خيرت أي سيرة ذاتية أحب كتابتها لاخترت سيرة أبي على سيرتي، سأكون متفجرا وأنا أرسم ملامح تلك الذات التي عشقتها وعشتها وعايشتها ردحا من الزمن، سأكون مسيرا وأسيرا لمناقب تلك الذات التي ورثتها عنه وسأورثها لأولادي من بعدي، سأرى أنه من البر أولا ومن الوفاء ثانيا أن أرصع تلك السيرة بكل معاني الحب والوفاء، وقبل ذلك التحلي بالموضوعية والتجلي بالوضوح، سأكون جريئا وأنا أجسد أبي في كلماتي وعباراتي وتحليلاتي، ولن أشعر أن هناك محذورا مهنيا أو محظورا عرفيا يمنعني من أن أجسده في أكمل صورة وأجمل حال.
أعشق أدب السيرة وأحب قراءته وتفحصه في سياقي المعرفي العام ونسقي الإبداعي الخاص، ولعل سيرة الأديب المصري أحمد أمين من أجمل السير التي شعرت بها، وأشعرتني أنني أمام (أنا) صادقة ومصدقة، كونها كانت مباشرة واضحة، لا تروم سوى الحقيقة وتقديمها للقارئ كمراحل حياتية لكاتب عظيم، أثرى وأثر في مجايليه المتفقين معه والمختلفين عنه، حتى من جاء بعدهم وقرأ تلك السيرة فإنه سيلمس ويلتمس الصدق وصوره ومعانيه في تلك الذات الإنسانية الوقورة، المعتقة بتلك التجارب الحياتية المميزة، التي ما زالت تعد من التجارب المتفردة والعظيمة في سلاسل أدب السير وأعلامه.
أما لماذا أولئك أنا؟ فمرده يعود إلى أن المشترك الإنساني بين الكاتب والقارئ الحاذق يكون كبيرا، وخاصة عندما يتشاركان الزمان والمكان ذاته، ومن هنا تصبح كل سيرة إنسانية راقية هي سيرة جمعية لكل من يسعى إلى الكمال الإنساني وينشده، كما أن الفرص التي تأتت لأولئك الكبار فأصبحوا من خلالها أعلاما يشار إليهم بالبنان كل ذلك جعل من سيرهم الذاتية صورة للمثالية المنشودة في المنجز والتجربة والحضور، حتى على صعيد المآسي الإنسانية عند هؤلاء الأعلام، تبقى تلك الحوادث الموثقة قوالب مثالية للسلوى بكل منعرجاتها السابقة واللاحقة وتعرجاتها التي أحدثتها؛ لأن فيها الكثير من الصور الإنسانية الصادقة كونها تجسد طموحاتنا الجموحة وشيئا من ملامحنا الحقيقية وآمالنا وأمنياتنا المستقبلية، وهذا ما يجعل كل السير التامة في معناها ومبناها هي سيرتي وسيرتك وسيرة القادمين إلى أدب السيرة كتابة وقراءة وتجربة وحياة.
@alaseery2