زيد الفضيل

تأملات مؤرخ في عاشوراء

السبت - 13 أغسطس 2022

Sat - 13 Aug 2022

ما إن يهل علينا العام الهجري الجديد حتى يدخل المسلمون في نقاش عقيم يكاد يتكرر بنفس الصيغة والأسلوب والمنهج في كل عام، وكأنه واجب ديني فرضه الله علينا، والأسوأ حين يحتدم النقاش بين المتحاورين فتزداد حدة الفجوة بينهم، ويزيد فرح الشيطان وقبيله مع ابتداء كل عام هجري جديد.

إنه يوم عاشوراء الموافق للعاشر من شهر محرم الحرام أول شهور السنة الجديدة، هذا الشهر الذي لا يتورع بعض المناقشين عن ارتكاب المحذور فيه من قول ولفظ بغيظ حين يستشعر انزعاجا من الطرف الآخر. ويكمن الخلاف فيه بين المسلمين سنة وشيعة حول مسألتين، أولاهما تمحورت في جواز واستحباب صيام يوم عاشوراء لكونه يوما صامه اليهود احتفاء بنجاة سيدنا موسى عليه السلام كما جاء في الرواية الحديثية، وثانيهما موافقة هذا اليوم بعد ذلك لأكبر جريمة إنسانية في تاريخ المسلمين تم ارتكابها في حق ابن بنت رسول الله الحسين بن علي بن أبي طالب وآل بيته من الأطفال والنساء في موقعة الطف أو ما تعرف بكربلاء.

أشير في المقلب الأول إلى أن المذاهب الأربعة بالإضافة إلى الزيدية والإباضية قد استحبوا صيام يوم عاشوراء مع اختلاف منطلقهم، فالزيدية والإباضية وعديد من علماء المذاهب الأربعة يقولون بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يصومه في مكة قبل الهجرة وحين وصل إلى المدينة توقف عن صيامه بعد فرض صوم رمضان، وأقروا استحباب من يصومه، ولا يلتفتون لرواية موافقة ذلك لصوم اليهود من عدمه. في حين يرتكز بعض علماء المذاهب الأربعة في إقراره إلى رواية نجاة سيدنا موسى واحتفاء اليهود بذلك، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: نحن أولى بموسى منهم، فصامه ورجح أن يخالفهم بعد ذلك فيصوم يوما قبله إذا أحياه الله، لكنه لم يفعل.

وهنا وقع الجدل بين من رجح بأنه قال ذلك في السنة الأولى للهجرة، وأنه لم يصمه بعد ذلك لفرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وآخرون أرجعوا سبب عدم صيامه لكونه قد مات، وبالتالي فصيامه بحسب وجهة نظرهم كان في محرم من السنة العاشرة للهجرة، وحتما ففي هذه الرواية زيف كبير، جراء جلاء اليهود من المدينة في السنة الخامسة للهجرة بعد خيانتهم لعهد النبي في معركة الخندق، وعليه فلم يكن في السنة العاشرة يهودا في المدينة، كما لم يجاور النبي عليه الصلاة والسلام أي يهودي في أي وقت من الأوقات، وبالتالي فرواية مضايقة اليهودي للنبي في مسكنه غير صحيحة أبدا.

في المقلب الآخر يبرز موقف الشيعة الإمامية الذين يرفضون صيام يوم عاشوراء ويعتبرون ذلك من تأثير الثقافة الأموية، كما يظهرون حالة الحزن الشديد من اليوم الأول لمحرم وحتى اليوم العاشر وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين وتم قتل آل بيت رسول الله في أبشع مجزرة عرفها تاريخ المسلمين.

ومع إقراري بعظم الجريمة الكبرى في حق الإمام الحسين وآل البيت، لكن ليس صحيحا أن يتم إغفال روايات المذاهب الأخرى وإقرارها باستحباب صيام يوم عاشوراء ابتداء، ودون النظر إلى الأسباب الداعية لذلك، كما ليس صحيحا أيضا أن يبرز قوم يحضون الناس لصيام عاشوراء مخالفة للشيعة الإمامية، ورفضا لحزنهم الذي يظهرونه على الحسين وآله، وليس مقبولا في هذا السياق أن يتم الدفاع عن قتلة الحسين وتبرير فعلهم بحجة مخالفة الطرف الآخر، فالحق أحق أن يتبع، والرجال تعرف بالحق وليس الحق يعرف بالرجال.

ختاما، آن الأوان لأن نتحرر من تأثير ردة الفعل التي غالبا ما تكون سلبية، وما أحوجنا اليوم في ظل تكالب الشيطان وقبيله علينا أن ننتهي من أزمة كل سنة، التي نستفتح بها عامنا الهجري الجديد، وأن ننظر إلى الأمر بتجرد، وانطلاقا من قيم عادلة، فليس صيام عاشوراء عند بعض من يصومه مقترنا باليهود وبهجتهم بنجاة سيدنا موسى عليه السلام، كما ليس من يصومه يكون قد فرح بقتل الإمام الحسين وآل بيته، وأنه يصومه بتأثير أموي، وإن كان بنو أمية قد أرادوا جعله يوما للاحتفاء والفرح بحجة نجاة سيدنا موسى، نكاية في آل بيت رسول الله، وهو ما ذكره البيروني والمقريزي وآخرون. كما ليس حزن الشيعة المتكرر موجه ضد أتباع المذاهب الأخرى، التي أؤمن بأنها لا تقر بجريمة قتل الحسين وآله، وتتبرأ منها ليل نهار، وتؤمن بأن من يبرر أو يدافع عن فاعليها يكون شريكا لهم ولو بعد حين.

هكذا يمكن النظر للأمر بعدل، لنستفتح عامنا الهجري الجديد بسلام ومودة، وكل عام وجميع المسلمين بأمان.

zash113@

باحث في التاريخ