عبدالله العولقي

بكين وكمين الاستنزاف

السبت - 06 أغسطس 2022

Sat - 06 Aug 2022

يبدو أن الأمريكان منزعجون بأن العالم قد بدأ يتشكل بنمطية تعدد القطبية، وهاهم اليوم يتحركون بسرعة لإبقاء وضعية القطبية الواحدة كما هي، لقد أدركوا أن الاستنزاف الذي أصاب خزينتهم خلال العشرين عاما الماضية وراء مشاكلهم اليوم، وأن حروبهم في أفغانستان والعراق وراء ذلك الاستنزاف المرير لهم، فهل تحركاتهم السياسية اليوم تجاه روسيا والصين تأتي لأجل إيقاعهم في ذات كمين الاستنزاف؟ هكذا تبدو الصورة؛ فبعد أن نجحوا في الإيقاع بقيصر الكرملين داخل المستنقع الأوكراني، هاهم اليوم يتحركون بكل ثقلهم تجاه الصين، ولعل آخر تلك الاستفزازات الصعبة زيارة نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان.

عندما وصل التراشق الإعلامي بين الولايات المتحدة والصين حول تلك الزيارة إلى أبعد مداه، كان العالم كله يحبس أنفاسه مخافة اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون وبلا أدنى شك شرارة الحرب الكونية المدمرة، فالتهديدات المتبادلة اليوم هي أخطر لحظات التوتر العالمي منذ أفول الحرب العالمية الثانية.

اتسم الرد الصيني عسكريا بضبط النفس، وإعلاميا بالتهديد والوعيد، فقد توعدت بكين بأن الجيش الصيني لن يقف مكتوف الأيدي تجاه تايوان، وبأن واشنطن قد بدأت تلعب بالنار التي سترتد آثارها وتداعياتها على أمريكا نفسها، فقد أكدت بكين بأن موقفها تجاه تايوان لا يزال متشددا، فهي أرض صينية لا يمكن التنازل عنها مهما كلف الأمر.

وبرؤية بسيطة تجاه العلاقات الدولية للصين والولايات المتحدة، نجد أن الصين قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، فلم تعد ذلك التنين المعزول عن العالم، فهي اليوم قوة اقتصادية وعسكرية ضخمة، كما أنها ترتبط بمصالح قوية مع كافة دول العالم عبر مشروعها الاستراتيجي الحزام والطريق، على عكس الولايات المتحدة التي تشهد علاقات دولية متوترة حتى مع حلفائها الاستراتيجيين.

خلال العقود الأخيرة استطاعت الصين أن تبني إمبراطورية اقتصادية عملاقة، وقرار دخولها في حرب ضد تايوان يعني البدء في مرحلة الهدم، والوقوع في كمين الاستنزاف؛ فالاقتصاد الصيني اليوم لا يزال يعاني نسبيا من تداعيات الجائحة الكورونية، وخطوة الحرب في تايوان قد تكلفها فاتورة باهظة الثمن واستنزاف اقتصادي لا يحمد عقباه، وبالطبع هذا ما تريده واشنطن.

وفي الختام.. لا شك أن زيارة نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان قد خطفت أنظار الإعلام الدولي في الآونة الأخيرة كونها تأتي في زمن حرج لا يحتمل أي تصعيد بين الجانبين، فهل تستطيع واشنطن أن تجر بكين إلى كمين الاستنزاف كما فعلت مع روسيا؟ أم أن لبكين حسابات أخرى وردودا قادمة سنراها في قادم الأيام!!

albakry1814@