زيد الفضيل

الافتراء على الله

السبت - 30 يوليو 2022

Sat - 30 Jul 2022

مع ابتداء سنة هجرية جديدة أستشعر وجعا كبيرا جراء حالة التفلت في إطار موروثنا الديني الجاري حاليا من كل من هب ودب على وسائط التواصل المجتمعي.

كم هو مؤلم حقا أن ينتقل مجتمعنا المسلم من تطرف لآخر، ومن أقصى اليمين في تشدده إلى أقصى اليسار في تفلته، وهو لعمري عين الخطيئة الذي وقع فيه المجتمع الغربي من بعد تحرره من سلطة الكهنوت الكنسي، ذلك الذي جشم على عقولهم وقلوبهم قرونا طويلة من الزمن، فكان أن جاء عصر النهضة ومن ثم عصر الأنوار ليحطم كل المحظورات (التابوهات)، لكنه حطم معها بروح شيطانية كل منظومتهم القيمية والأخلاقية، فكان أن استحوذ عليهم الشيطان وقبيله بقيمه ومبادئه الملعونة، الداعية إلى الإلحاد وتفشي الفواحش ما ظهر منها وما بطن من شذوذ وعقوق وغيره، وهو ما صار ظاهرا اليوم للأسف، واستفحل بينهم بصورة مقززة. والسؤال: هل قدرنا أن نسير على خطاهم؟

أخشى أننا كمجتمع مسلم لم نعد بعيدين عن سياقهم ومسارهم الذي مشوا عليه، إذ تفلت علينا الطارف ليفتي في ديننا الذي ارتضينا بحجة الانتفاض على أفكار متشددة جثمت علينا فترة من الزمن، ولم تجد في وقتها استجابة مطلقة من جميع المسلمين، بل ظهر من ناقشها وحاورها ورفضها بالحجة والدليل في وقته.

وبالتالي ليس مسوغا أن يقوم كل أحد اليوم بالتقول على الله وعلى نبينا بحجج واهية. وإني من هذا المنطلق لأرجو من هيئة المرئي والمسموع أن توقف بث كل من جاء بالعظائم وتكلم في كتاب الله وسنة نبيه عبر وسائط التواصل من غير المتخصصين، تصورا منه بأنه يطرح رأيا، وما درى بأنه يفتري على الله وعلى نبيه بوعي أو بغيره.

لقد بات التشكيك في قرآننا الكريم أمرا مستساغا في عديد من وسائط التواصل المجتمعي، وصار من الطبيعي أن يخرج أحدهم في بث عبر مساحات تويتر أو انستقرام أو غيره ليفاخر بلادينيته وإلحاده ويدافع عمن أقر الله بكفره علانية كفرعون وقبيله، ناهيك عن التشكيك بالسنة النبوية، وأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمطلق ليس وحيا منزلا من عند الله، مستغلين حالة التشدد التي كان الصحويون ينطلقون منها حال تأكيدهم بأن الجامع الصحيح للإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله.

والواقع إن في ذلك إثبات ما لا يصح، وتمت مناقشتهم في وقته بالحجة والدليل، لكن دون أن يتم الإرخاء والتشكيك في الإمام البخاري نفسه، فهو عالم جليل قد بذل جهده لجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأذكر في هذا السياق وقبل عقدين من الزمان أني قلت لأحد الأكاديميين المشهورين في وقته وهو متخصص في علم الشريعة، جوابا على دفاعه المطلق عن صحيح البخاري وبأنه أصح كتاب بعد القرآن، قلت له: بأن الإمام البخاري عالم قد بذل جهده لجمع حديث رسول الله بشروطه، وهو بشر غير معصوم، ومن حقه أن يسمي كتابه الجامع الصحيح، لاعتقاده بأن ما رواه صحيحا وفق شروطه، لكن اعتقاده غير ملزم لغيره، ولذلك استدرك الحاكم النيسابوري عليه وعلى الإمام مسلم الكثير من الأحاديث التي لم يروها بالرغم من موافقتها لشرطه، وبالتالي فليس كل ما رواه البخاري صحيحا بالمطلق، ولا يعني ذلك التشكيك الكلي بكتابه فهو مرجع أساسي للحديث النبوي، والحجة تبقى في موافقة متن الحديث للقرآن الكريم كما يقول بذلك أصحاب المدرسة العقلية.

هذا هو الموقف العادل من الإمام البخاري وغيره من أصحاب الصحاح والمسانيد، فهم جميعا من أهل الثقة والعدل، وحري بعلماء المسلمين المجتهدين أن يقبلوا روايتهم ويتأملوها ويعرضوها على محكم كتاب الله، ويقرروا الصحيح منها والأكثر صحة، والضعيف والأكثر ضعفا، وليس ذلك على غيرهم من طلبة العلم وأنصاف المتعلمين ممن عرفوا شيئا وجهلوا أشياء كثيرة، ناهيك عن رويبضة الناس الذين أرهقونا بأحاديثهم واستفهاماتهم المصورة التي تلبي غايات الشيطان ومراده.

أشير في هذا السياق إلى أن إرادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمواجهة مظاهر التطرف في الخطاب الديني لا تتحقق إلا بالوصول إلى الإسلام النقي الذي يرتكز في أحد جوانبه الرئيسة على غربلة الحديث النبوي الشريف، وتبيين الثابت المتواتر منه وغير المتواتر، وليس في نسف الحديث النبوي وإلغاء حجيته من الوجود كما يقول القرآنيون بذلك، ويتبعهم بجهل رويبضة وسائط التواصل المجتمعي كفانا الله شرهم، وجعل عامنا الهجري الجديد سعيدا من غيرهم، وكل عام وأنتم بخير.