فهد عبدالله

المنظورات الفكرية

الاثنين - 25 يوليو 2022

Mon - 25 Jul 2022

تأتي على الإنسان أحايين يحتفي بها بمعلومة أو فكرة يكون لها تأثير سحري في إعادة ترتيب العقل وهندمة السلوكيات، وأعتقد أن هذا النوع من الاحتفاء والسرور بهذه المعرفة النوعية لا بد له أن يكون في رأس الاهتمامات التي قد تدور في رواقك الداخلي، بكل بساطة لأنها تلمس بساط التغيير لديك ويبقى أثرها ملازما لك ما حييت إن صح الاهتمام والعمل.

واحدة من تلك المعلومات السحرية التي لها وقع صارخ على من التقى بها وفهمها وعمل بها هو ذلك المبدأ الذي سطره ستيفن كوفي في كتابه الملهم جدا (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) وهو تغيير المنظورات الفكرية، ويقول الكاتب المنظورات الفكرية تمثل العدسة التي من خلالها نرى الأشياء بفهمنا وليس على حقيقتها. فعندما تنظر للسماء، تجد أن الشمس تخرج من المشرق وتغيب في المغرب. وأنت ترى ذلك بالاعتماد على قوانين الحركة داخل عقلك. والحقيقة هي أن الشمس ثابتة ونحن الذين ندور.

العدسة التي من خلالها نرى الأشياء بفهمنا وليس على حقيقتها، ماذا لو كانت تلك العدسة محدبة أو مقعرة أو يشوبها شيء من الغبش، بالتأكيد ستكون الرؤية بناء على حالة العدسة وليست على طبيعة الحقيقة المجردة، أعتقد أنه لا يمكن تصور وإدراك هذا المنحى الفكري العظيم إلا من خلال المواقف التي قد تمر بها كاعتبارات معينة سابقة عن ذاتك، ومع تراكم الزمن تغيرت تلك الاعتبارات تغيرا كبيرا والسبب يعود إلى العدسات (المنظورات الفكرية) التي ترى بها وليست الحقائق المجردة.

دعني أطرح تصورا آخر من وحي التجارب الشخصية لنا جميعا، في فترات سابقة لربما مررنا بعشرات الأفكار التي كنا نرى بصوابيتها المطلقة ولا يمكن أن يجترحها شيء من الخطأ ومع التراكم الزمني والسياحة المعرفية أصبحنا نرى خطأ تلك الأفكار السابقة أو على الأقل تجاورت معها أفكار أخرى تشاركها في الصوابية، والذي يتأمل بنوع من التمعن والتدبر لهذه اللحظات الإدراكية الطويلة المدى ستتكون لديه عضلة تريث إدراكية تعلم يقينا بلانهائية المنظورات الفكرية والعدسات التي ننظر بها.

الأهمية للمنظورات الفكرية ليست محصورة في قالب الرأي والرأي الآخر ولكن عظمة الأهمية فيها تقع عندما يكون لدى الإنسان طاقة كامنة تجاه وجود حقيقي وتأثير إيجابي أيا كان مداه ويتعثر بسبب تلك العدسات التي بها غبش، عشرات القصص والتراجم والكتب والمكاشفات وأحاديث النفس وخاصة لمن تقدم بهم العمر ستجد فيها مراجعات وتصويبات ونظرات مختلفة لما كان عليه من منظورات فكرية سابقة والسبب بكل بساطة أن مفهوم العدسة التي يرى بها الأشياء لم ينضج حينها فضلا عن إمكانية تقييم العدسات والمنظورات الفكرية بشكل صحيح.

الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة أشار إلى أهمية المنظور الفكري وكيف له إسقاط عملي على شكل الحياة التي نعيشها منها (عندما دخل على أعرابي يعوده، فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال: قلت: طهور؟ كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن)، فكانت الفكرة البائسة السلبية لهذه الحمى وتبعاتها هي المصير لذلك الإعرابي.

هي هكذا، الأعمال والسلوكيات وحالة الأثر التي نحدثها أيا كان اتجاهها في أساسها القديم منظور فكري تكون في داخلك، لذلك أعتقد أن من أهم وأجل وأعظم الأعمال التي قد نقوم بها هي مراقبة الحالة الصحية للعدسات التي نرى بها والمراجعة الدائمة للمنظورات الفكرية التي تسكننا فضلا عن السياحة المعرفية لرؤية المنظورات الفكرية الجديدة الصحيحة التي سيكون أثرها ممتدا لشكل الحياة التي نعيشها وشخصياتنا ومصائرنا كما عبر عنها صامويل سمايلز: ازرع فكرة، وسوف تحصد فعلا؛ ازرع فعلا، وسوف تحصد عادة؛ ازرع عادة، وسوف تحصد شخصية؛ ازرع شخصية، وسوف تحصد مصيرا.

fahdabdullahz@