حين تنوي الرحيل

حين تنوي الرحيل لا تجرح، لا تنتقم، لا تشوه الخاتمة، أدر ظهرك وامض؛ فقد تكون يوما ما عائدا لنفس الطريق، حينها ستعود رافعا رأسك بشموخ الفرسان، وعلى الطرف الآخر أن يعض أصابع الندم لخسارته إياك، كن كنزا يخسره من لا يقدره، ولا تكن لعنة على من عرفك فيفرح بخلاصه منك، والبعض قد يستصعب الرحيل وقد لا يعلم أن الرحيل أحيانا عزة وقوة وحل ناجح، لذلك تذكر ما قاله الدكتور أنمار مطاوع يوما على خشبة المسرح وصفق له الجميع بعد أن قال عبارته العظيمة «تعلم متى ترحل».

ويرتبط الرحيل المر عادة بمن نحب، ولأن في الرحيل (ذاته) قسوة لا تحتمل فقد صنعت لنفسي عقابا لطيفا! فحين أعاقب من أحب لن أتعمد جرحه ولا يمكن أن أسبب له أذى ولن أفشي أسراره، ولن أؤذيه حتى بكلمة، حين أعاقبه سأرحل بهدوء وأسمعه أقسى الكلام بصمتي، وابتعد شيئا فشيئا، سأحفظ الود وسأضع لتواجده في حياتي حدا، وسأسعى جاهدا لأكون ذكرى جميلة.

ونصيحتي للجميع حتى عند الرحيل لا تجعل آخر اللحظات مؤلمة، ارحل بهدوء وحسب، ارحل دون وكز أو وخز أو جرح، واعلم أن للرحيل مؤشرات؛ فالغياب التدريجي من مؤشرات الرحيل! وقد يكون الرحيل أحيانا جبرا لكسر المحب من طرف واحد!

فالحب من طرف واحد ابتلاء عظيم يقع فيه من يطاوع قلبه ويتجاهل عقله، وحينها يكون القلب كطير جريح فؤاده عليل وعقله لا يملك أي دليل؛ فيستمر ويستمر في العطاء، لكنه عطاء منقوص بارد، حب من طرف واحد. وبعد حين قد يفيق الحزين ويجبر الرحيل مرارة الانكسار؛ فيلملم أحدهم كرامته ويمضي بلا عودة، هو لم يهرب من النعيم بحثا عن العناء لكنه علم أن في البقاء شقاء فآثر الرحيل.

عند اتخاذك لقرار الاستقالة من عملك وفي لحظة الرحيل ارحل باحترافية بدون ترك أثر سلبي حتى وإن ظلمت أو تم سرقة مجهودك، اكتب استقالتك المسببة بأدب وارحل؛ فقد تعود يوما ما لمكان عملك السابق فلا تجد إلا ما زرعته من ورود قابعة في ردهة المكاتب تنتظر وصولك من جديد لتزهر لك وتفوح عطرا.

ولأني أخشى أن أطيل حان وقت إنهاء هذه السطور والرحيل قبل أن تنتهي المساحة المتاحة!

@BASSAM_FATINY