عبدالله قاسم العنزي

النقد الإعلامي بين الإباحة والتجريم

الاحد - 29 مايو 2022

Sun - 29 May 2022

لم تهتم معظم الدول بتعريف النقد في تشريعاتها، والقانون السعودي كغيره من القوانين لم يتعرض لتعريف هذه المسألة بالرغم من كونه –أي إبداء الرأي– يعتبر من الحقوق العامة للإنسان بأن يبدي رأيه في أمر عام بحسن نية يقصد به الناقد التنبيه إلى خطر يوشك أن يحيق أو ظاهرة سيئة تكاد تتفشى أو ابتغاء تحقيق مصلحة عامة أو تقويم عمل ما من خلال إظهار محاسنه وتبيين مساوئه.

وإن العمل الإعلامي من أهم روافد حرية الرأي والتعبير ويحتل منزلة مهمة، فلا يتصور نمو وازدهار مجتمع ما دون حرية إعلامية يمارس فيها النقد البناء؛ لأن الإعلام يعتبر رئة الشعوب التي من خلالها يتنفس ويعبر عن فرحه وآلامه وشكواه مما يعاني أو يريد؛ ولذا نجد كل يوم تبث القنوات الفضائية وتلفظ المطابع آلاف الصحف التي يحمل بعضها شكوى المواطن واحتياجاته وما هي الخدمات المفترض أن تقدم له.

والجدير بالتنبيه على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه الحرية الإعلامية إلا أن ذلك لا يعني حرية مطلقة بلا حدود وضوابط؛ فالأصل المستقر أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة بلا قيد وإلا انقلبت إلى فوضى حاملة في طياتها البغي والعدوان!

وبناء على ما سبق سنتحدث عن النقد الإعلامي الذي يمارسه بعض الإعلاميين بقصد حسن دون المحاولة إلى تسجيل مواقف أو البحث عن مكتسبات شخصية بهدف تصحيح مسار عمل ما أو سمة تقديم النصح للآخرين دون التعرض إلى أشخاصهم والحط من كرامتهم.

ونؤكد أن النقد اليوم بات كالسيل الجارف يمارسه الجميع بشكل يومي دون توقف ولم يعد مقتصرا على الإعلاميين في منصاتهم الإعلامية سواء كانت صحفا أو محطات فضائية بل أصبح اليوم الشخص العادي يمارس النقد والتعبير عن الرأي تجاه موقف ما إما سلبا أو إيجابا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع، وعودة إلى عمل الإعلامي باعتباره أكثر الأشخاص ضرورة بالتوجيه والإرشاد نحو شروط النقد المباح الذي يمارسه تجاه الغير.. في النقاط التالية:

أولا: أن يكون العمل المنتقد من الأعمال أو الوقائع الثابتة والمعلومة للجمهور بحيث يكون هناك موضوع مسلم به غير منكر حتى يمكن أن يكون محلا للنقد وإبداء الرأي، فلا يمكن للإعلامي ابتداع حديث عن موضوع ما دون أن يكون واقعا حقيقيا تشكو منه الناس.

ثانيا: أن يكون الموضوع الذي ينتقد مما يهم الجمهور، أما الوقائع والأحداث التي لا يهتم الجمهور بها فلا محل للتعليق عليها عبر الصحف أو القنوات الفضائية بل إن نقدها يكون تشهيرا بالآخرين؛ لأنه لا مصلحة من تتبع عورات الناس والكشف عنها.

ثالثا: أنه على الإعلامي أن يحصر نقده على العمل أو الواقعة محل التعليق دون المساس بشخص صاحبها إلا في الحدود التي يستلزمها التعليق، بمعنى أن لا يكون المقصود بالنقد أساسا المساس بالأشخاص أو الجهات ونحو ذلك وإلا اعتبر ذلك تشهيرا بالآخرين وخروجا عن النقد المباح.

رابعا: حسن القصد في استخدام النقد والبعد عن شخصنة المواقف لتحقيق الغاية الاجتماعية التي تقرر من أجلها النقد المباح بهدف تحقيق المصلحة العامة، وحسن القصد يتحقق بتوخي المصلحة العامة بأن يكون الإعلامي الناقد أفاد الجمهور بإرشاد الجهة أو الأشخاص إلى الصواب والعمل الصحيح مع الأخذ بالاعتبار أنه يعتقد صحة ما يقول أو يبديه من رأي لأن الشأن العام محل للمراقبة والمراجعة والمناقشة والنقد المباح ضمن حدود النظام.

أخيرا: فقد نصت المادة الثامنة من نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/32 بتاريخ 3 / 9 / 1421هـ بأن حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية فإذا تجاوزت حرية التعبير إلى الإساءة إلى الغير والتجريح بهم بسوء قصد فإن ذلك يعد جريمة يستحق صاحبها المعاقبة.

expert_55@