خالد عبيد المندح

تداعيات فجوة الأمن الغذائي العربي

الاحد - 22 مايو 2022

Sun - 22 May 2022

طلت أزمة الغذاء في العالم على رأسها في هذه المرحلة من التاريخ، وبشكل خاص بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في 24 فبراير من هذا العام، حيث حذرت كثير من التقارير الدولية ي من حدوث فجوة غذائية في حال استمرار الصراع واتساع رقعته، بخاصة أن الدولتين (روسيا، وأوكرانيا) ارتبطتا بعلاقات تجارية كبيرة مع عدد من دول العالم في مجال الأمن الغذائي لا سيما واردات القمح.

وبحسب، المختصون في مجال الأمن الغذائي، فإن هذه الحرب أثرت بشكل مباشر على أزمة الغذاء عالمياً، إذ تعد موسكو وأوكرانيا من أكبر منتجي القمح في العالم، بالتالي أن استمرار هذه الحرب ستحرم الدولتين من مواصلة دورهما في إمداد كثير من دول العالم بالقمح، خاصة وأنها تمثل سلعة رئيسة على موائد معظم سكان العالم، وهو ما سينعكس سلباً على أوضاع الغذاء وإمداده، فضلاً عن أثر الاحتجاب القسري عن تصدير القمح على أسعار هذه السلعة التي بدأت في الارتفاع بدءاً من هذا الموسم، الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات كبيرة على المستويين الاقتصادي والسياسي على دول الجنوب بشكل رئيس، كون أوضاعها الاقتصادية والسياسية تعاني من مستوى هشاشة يعلمها الجميع.

وفي ظل هذه التداعيات، أصبح هناك قلق بالغ بشأن الأمن الغذائي في المنطقة العربية، بعد أن وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية لأعلى مستوياتها على الإطلاق في شهر منذ فبراير الماضي، حيث سيؤدي بلا شك هذا الارتفاع في الأسعار إلى تأثير مباشر على ملايين الأسر في جميع أنحاء العالم وهم على حافة الجوع، بعد أن تضرروا بشدة من جائحة كورونا والتباطؤ الاقتصادي الذي تبعها.

لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية حجم الفجوة الكبيرة التي تعانيها الدول العربية في نظامها الغذائي، وبيَّنت حجم اعتمادها على الخارج في تأمين احتياجات شعوبها من الغذاء وخاصة في المواد ذات البعد الاستراتيجي. وبالتالي إن استغناء الدول العربية عن منتجات روسيا وأوكرانيا الزراعية، واستبدالها بواردات من دول أخرى، ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى شهور عديدة لتأمينها، وحتى إذا نجحت فإنها لن تكون بنفس الأسعار القديمة قبل الحرب.

كان من الأمثل أن تتبعه أي دولة عربية، أن تقوم بتعزيز أمنها الغذائي سواء في حالات السلم أو الحرب، لكن الواقع يشير إلى أن معظم الدول العربية اكتفت بالاستيراد، وكثير منها لا تمتلك خزينًا استراتيجيًا داخل صوامعها، وهو أمر يحدث في العراق ومصر والسودان وغيرها من دول عالمنا العربي، بل أن بعض منها لا يكفي خزينه من الحبوب سوى لأيام قليلة.

من المؤكد، أن استمرار هذه الحرب واتساعها سيخلق زيادة في الطلب على الغذاء والحبوب من العديد من دول العالم، وبالأخص دول العالم العربي التي تعتمد معظمها على واردات القمح والزيوت من روسيا وأوكرانيا وبعض المدخلات الزراعية الأخرى، لذلك على حكومات الدول العربية الاسراع في اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على هذه الأزمة المتوقعة، وعلى الدول الزراعية منها القيام بالتحضير المبكر والجيد للموسم الزراعي حتى إذا لزم الأمر إعلان حال الطوارئ في قطاعات الزراعة والصناعة والري والغابات واستنهاض الخبراء والمختصين للاتجاه نحو استصلاح الأراضي وفتح قنوات الري وتوفير مدخلات الانتاج والقيام بأقصى جهد وعمل وبالتحضيرات اللازمة لزيادة فرص نجاح الموسمين الصيفي والشتوي.

نعلم أن هناك جملة أسباب منعت تطور القطاعات الزراعية في البلاد العربية، وساهمت في ما توجهه تلك الدول من شح الغذاء من أهمها محدودية الأراضي الزراعية، وبدائية طرق ووسائل الإنتاج، ومن ثم التغيرات الاجتماعية التي جعلت من المهن الزراعية لا تلقى إقبالا كافيا من المواطنين العرب مع اختلافات بين الدول، فضلاً عن نقص الخبرات وعمالة قطاع الزراعة وتحولات أدت إلى عدم كفاية الإنتاج سواء بشكل فردي أو جماعي والاعتماد على الاستيراد من الخارج، حيث إن أوكرانيا وروسيا هما جزء من منظومة التوريد العالمية.

كما هناك أيضا نقص في التكنولوجيا والاستثمارات، فعلى سبيل المثال نجد أن السودان التي كانت تسمى سلة الغذاء العربية كان يمكن أن تكون مفتاح الحل للأمن الغذائي العربي، لكنها باتت من أفقر الدول العربية في مجالات الزراعة بعد إهمال الأراضي وعدم استغلالها.

ومع ذلك، فإن آثار وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الجانب الغذائي، تتطلب من دول الانتاج الزراعي في عالمنا العربي وصفة ذات بعدين، الأول تطوير وزيادة إنتاج السلع الغذائية والنقدية التي تتمتع بها أي من الدول بمزايا نسبية، وذلك بإحلال الوارد وتعظيم الصادر، والبعد الثاني يكون بتأمين شراكة استراتيجية مع الأقربين من دول الجوار.

تأتي، هذه المخاوف في ظل تحذير البنك الدولي من أن الحرب في أوكرانيا ستتسبب في أكبر ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع بخاصة القمح منذ سبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن ارتفاع حاد في تكاليف العديد من السلع الغذائية، إذ أظهر مؤشر أسعار الغذاء التابع للأمم المتحدة أنها وصلت بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ توثيق الأسعار قبل 60 عاماً، وتوقع البنك في آخر تقرير له، ارتفاع سعر القمح بنسبة 42.7 في المئة ووصوله إلى مستويات قياسية جديدة، وستكون الزيادات الأخرى الملحوظة 33.3 في المئة في أسعار الشعير، و20 في المئة لفول الصويا، و29.8 في المئة للزيوت، و41.8 في المئة للدجاج، وتعكس هذه الزيادات حقيقة أن الصادرات من أوكرانيا وروسيا قد انخفضت بشكل كبير.

وكانت موسكو وأكرانيا قبل الحرب تمثلان 28.9 في المئة من صادرات القمح العالمية، و60 في المئة من إمدادات زيت دوار الشمس العالمية، وهو عنصر رئيس في العديد من الأطعمة المصنعة.

وتعد روسيا وأوكرانيا قوتين زراعيتين كبريين، وتمثلان أول ورابع أكبر مصدرين للقمح في العالم على التوالي، وسادس ورابع مصدرين للذرة، وتساهم روسيا وأوكرانيا بـ 30 في المئة من صادرات القمح العالمية، التي ارتفعت أسعارها منذ الحرب، في حين حظرت الحكومة الأوكرانية بعد مرور أسبوعين من اندلاع النزاع بين البلدين تصدير القمح والشوفان والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية لضمان قدرتها على توفير الطعام للمواطنين خلال الحرب مع روسيا، ومن المرجح أن يؤدي حظر الصادرات إلى خفض الإمدادات الغذائية العالمية، إذ وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011، كما علقت روسيا صادراتها من القمح والشعير والذرة، إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، التي تضم إضافة إلى روسيا، أرمينيا، وبيلاروس وكازاخستان، وقيرغيزستان، حتى 31 أغسطس المقبل، في خطوة لتأمين سوقها المحلية بما يكفي من الغذاء، كذلك، تلقت الأسواق العالمية ضربة ثانية بفرض الحكومة الهندية حظراً على تصدير القمح إلى خارج البلاد إلا لتلبية عقود بخطابات ائتمان صدرت بالفعل وللدول التي تحتاج بشدة لتلك الواردات لضمان أمنها الغذائي.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال