زيد الفضيل

من يستفيد من تغييب ذاكرتنا الجمعية؟

السبت - 23 أبريل 2022

Sat - 23 Apr 2022

كانت صدمتي بالغة حين فاجأني ابني وبعض أقربائه بجهلهم تفاصيل غزوة بدر الكبرى، تلك التي برز فيها الإيمان كله للكفر كله، وشهدت حضورا ملائكيا مباركا، ونصر الله فيها نبيه وأصحابه الكرام البررة بالرغم من قلة عددهم، على الجمهرة الكثيرة من المقاتلين الأشداء بقيادة صناديد قريش، الذين عاجلهم الموت بيد المستضعفين من المؤمنين فكان نصرا عزيزا ظاهرا وباطنا، وفتحا مبينا لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه المستضعفين من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ووجدوا النصرة من الأوس والخزرج الذين أووهم وآثروهم على أنفسهم في كل شيء، فطوبى لهم أحياء وأمواتا.

شعرت في حينه بألم كبير، واستشعرت مسؤولية كبرى، وودت لو أن الزمن يعود لاتبعت منهجا آخر في حياتي، ولكن ما حيلتي وكنت كغيري ممن سحقتهم عجلة الحياة في حياتنا المدنية التي تفتت فيها أواصر القربى، وتباعدت فيها الأنفس، وصار كل واحد منا يلهث وراء لقمة عيشه ليوفر لأبنائه حياة كريمة، وحين توقف تنبه بأنه وحيدا بمعرفته وقيمه، وأن من أفنى عمره من أجلهم، يمشون في سبيل آخر تسوده الظلمة الموحشة ولا نور في آخره.

إن أخطر ما نواجهه حاضرا ومستقبلا كامن في غياب الذاكرة الجمعية عن وعينا أفرادا ومجتمعا، لاسيما ونحن نشهد حالة الصراع المحموم القائم حاليا بين الشرق والغرب من جهة، وبين الحق والباطل من جهة أخرى، وأمام ما نعيشه من صلف صهيوني ظالم، يستهدف محو الذاكرة الجمعية لنكون قطيعا حيوانيا لا ذاكرة تصنع شخصيته، وتدعم واقعه، وتؤسس لمستقبله.

ذلك ما يجب أن نَحذَر منه، وهو ما أراه قائما بخطى حثيثة في ظل سيطرة العقل الصهيوني على خارطة البرامج الإعلامية حاضرا، تلك التي سطحت كثيرا من المفاهيم بمسلسلاتها الفارغة مضمونا، واسكتشاتها الهزلية، والأخطر ما يتم تمريره من صور خادشة وممارسات مرفوضة شريعة وأخلاقا بوصفها تمثيلا كالشذوذ، وزنا المحارم، ولعمري فذلك ما يريده الشيطان وأعوانه، فهل نحن منتبهون؟

على أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل جرى ويجري التشكيك بمقدساتنا، ابتداء بموقع المسجد الأقصى الذي خرج علينا بعض الجهلة المتفذلكون ليرددوا قولا صهيونيا بأن منطقة جعرانة على بعد 20 كم إلى الشمال الشرقي من مكة هي موقع المسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك محيطه، وهو قول ساقط منطقا ودليلا، وقد فندت ذلك في مقالات سابقة.

كما يأتينا اليوم من يدعي بأنه ينتمي إلينا اسما ونسبا وهو أبعد ما يكون عن ذلك، ليروج لمقولة ساقطة أخرى مفادها أن المسلمين يدافعون في القدس عن مسجد أموي لا قيمة له، وأنه قد بُني على الهيكل المزعوم، وللأسف فإن هذه المقولة الكاذبة تجد من يدعمها من أبنائنا جهلا بحكم تغييب ذاكرتهم الجمعية، وهو ما تعمل القوى الصهيونية للوصول إليه عبر منصاتها المتنوعة، ثم تعمل على اختراقنا بعملائها الذين يملؤون ذاكرتنا الجمعية بما يشاؤون من أفكار ورؤى، وحتما فالمراد تحويلنا مستقبلا إلى قطيع حيواني لا حول له ولا قوة. فهل نحن واعون؟

أختم بالتأكيد على أن الليبرالية التي أؤمن بها، والتي جاء ديننا ونبينا ليؤكد عليها على اعتبار أن الحرية والاختيار قيمة عظمى كفلها الله لخلقه في كتابه، لا تعني التخلي عن ذاكرتنا التاريخية التي هي عمود ارتكازنا أردنا أم لم نرد، وأول وأهم مشاهدها كامن في سيرة النبي الكريم الذي نشهد كمسلمين بأنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ولذلك فما أحوجنا إلى أن نتدارس سيرته ونجعلها حية بين ظهرانينا عملا وسلوكا، ونعمل على تضمين أهم ملامحها وشواهدها وآثارها العمرانية في مختلف مشاهدنا الدرامية بحبكة مهنية، ونبرز واقع ما كان عليه الرسول من اعتدال واحتواء ورحمة، وليس وفق ما صوره المتطرفون الذين تسيدوا المشهد خلال العقود السالفة، فأظهروا نبينا بصورة لا تفي بحقيقته، استنادا إلى أحاديث أحادية ضعيفة حذر منها سمو ولي العهد -وفقه الله-، ويعمل على تنقيتها حاليا عبر فريق متخصص كما أعلن.

في السياق ذاته فقد خلدت ذاكرتنا التاريخية عددا من المواقع الجغرافية التي صار لها شأن كبير بين المسلمين بخاصة، كموقع بدر، وأحد، والخندق بمكان جلوس رسول الله الذي بُني عليه مسجدا عرف باسم مسجد الفتح، ناهيك عن غار حراء بجبل النور، وغار جبل ثور، وموقع صلح الحديبية، وغير ذلك من المشاهد الجغرافية التي ارتبطت بسيرة رسول الله، والتي يمكن استثمارها سياحيا بما يعزز من ذاكرتنا التاريخية من جهة، ويدر منفعة علينا أفرادا ومؤسسات، فهل إلى ذلك سبيل؟

zash113@