عبدالحليم البراك

توقير المال أو ارفع الشاشة فوق!

الثلاثاء - 12 أبريل 2022

Tue - 12 Apr 2022

من الصعب تعريف معنى كلمة توقير المال، لكن من السهل تعريف عكسها ببساطة فيسهل تعريف «توقير المال»، ولعل الأشياء تتضح بأضدادها، إذ إن من صور عدم توقير المال ظاهرة «ارفع الشاشة فوق» أو «أكمل الشراء بخطوة واحدة»، في إعلان مستهلك، وكأنه يصور الإنسان كساذج وسهل؛ بأنه إن سهلت له عملية دفع المال بسرعة أو سهلت له الاختيارات فإنه يتخلى عن عقله، ويشتري ما لا يحتاجه، أو ما يفوق سعره أسعار غيره، إذ إن معظم الأشياء الخاضعة لسياسة «ارفع الشاشة فوق» إلا تكون خاضعة لخدعة ما، إما جودة رديئة، أو سعر عال، أو تسويق ما ليس للناس حاجة به. ولأن عقول بعض الناس مثل جيوبها سهل استنزافها، فإن أبسط الأشياء تجذبها؛ مثل إعلان جذاب، أو طريقة شراء سهلة، أو إغراءات الكسل مثل: «توصيل مجاني» أو «دفع عند الاستلام» أو إغراءات توفير كاذبة مثل «بدون ضريبة عليك» برغم أن صاحبنا لو أنفق بعض وقته للمقارنة، لوجد أن سعر بضاعة مماثلة أو هي نفسها أقل بالنصف في مكان آخر!

التعب بالمال يعني إنفاقه بحكمة، ولعل أول شتيمة يمكن أن تصف بها شخص مسرف أن تقول له: «لم تتعب في هذا المال» فينتفض غاضبا، والعقل يقول لو تعب فيه فعلا لما جعل الغادي والرائح يتلاعب به سعرا وجودة، وشراء ما لا يحتاجه، ومن المهم الإشارة إلى أن كل إنسان قد يقع ضحية بشكل أو بآخر لعدم توقير المال في لحظة ما، لكن العاقل من يتفطن لنفسه قبل أن يصيبها ران التبرير الأعمى للتبذير، وتأمل معي ظاهرة الاستخفاف بجيب الغني الذي يدفع أمواله دون أن يفكر، حتى صارت صورة نمطية تصاحب المجتمعات الثرية التي حصلت على الثروة بشكل سريع وكبير، بينما مجتمعات أخرى ثرية وحصلت على الثروة والرفاهية بطريقة بطيئة، وتعيش حالة تنموية عالية جدا لكنك تجدها أكثر حكمة في الإنفاق وأكثر توقيرا المال، وصرفه في مواضعه إن صحت الرؤية!

لقد صنع المعلن بالتعاون مع التاجر، وأيد كلامها المسوق، وصاحبهم موظفون أذكياء؛ معنيون في صنع معان وإعلانات تدفع البسيط للشراء من أجل الشراء فحسب، لونوا وغلفوا تلك الأسباب التافهة برؤية ذات كلمات عميقة ومعاني سطحية، مثل «الماركات»، فالكل يتسابق على الحصول عليها، وإن كانت في مستوى ميزانيتك المالية فلا بأس (نظريا) لكن الملاحظ أن كل شخص يلاحق الماركة التي تعلوه قليلا أو كثيرا أو عبارة «أحدث ما توصلت له التكنولوجيا» نمّقت بعبارة جذابة مثل «أجهزة ذكية» لتدفعك للشراء فقط وليس شيئا آخر!

وقديما قيل، وهو مما ينسب للخليفة عمر بن الخطاب في حديثه لجابر بن عبدالله: أوكلما اشتهيت اشتريت؟، يعني أن الشهوة وحدها لا تكفي سببا في الشراء والإنفاق، فثمة متغيرات أخرى كالأولويات والحاجة والقيمة المنفقة في السلعة التي يجب أن تتوافق مع ما تقدمه هذه السلعة من لذة؛ وليست أي لذة، بل أطول لذة ممكنة، وليس لذة لحظة «فتح الكرتون»، أو لذة مشاهدة الأصدقاء لمشترياتي، أو لذة لحظات التسوق من أجل التسوق فحسب!

لعل ترسيخ مفهوم توقير المال، أهم ما يمكن أن نبدأ به لتوقير المال فعلا!

Halemalbaarrak@