خلود المفرجي

هرم السلام

الثلاثاء - 08 مارس 2022

Tue - 08 Mar 2022

كم يحرص الإنسان على العيش في هذه الحياة بسلام ليس فقط بسلام المعيشة بل وسلامة الجسد والعقل فيبتعد عما يعكر صفو حياته، ويبحث جاهدا عما يشد به جسده وينمي به عقله؛ ولكنه تناسى الأهم! وهو الأساس الذي يبنى عليه هذا الهرم.

(سلامة الصدر)

وهذه حقيقة غائبة عند البعض ففي الواقع لا يمكن العيش دون السلام الذي يسكن الصدر والقلب باعتبار أنه غربال الحياة الذي يصفي الشوائب ليرى الإنسان بوضوح وبصفاء الحقيقة التي حجبت عنه؛ فيرى أن لا جدوى للحسد سوى أنه يجلب الهم والمرض، وأن الحقد يأكل نفس صاحبه، ولابد من الإيمان بحكم القدر كان ما كان، وكان ما سيكون وبيقين تام على أن كله خير فهذا مما يدمح شر الشيطان ويصرف مساوئ الأفكار السيئة؛ لأنها سبب المشاعر السلبية التي تناقض سلامة الصدر، كالكره والحقد وغيره مما يستنفد طاقة الإنسان لتصرفه عن ما هو أهم، فوجودنا على هذه الأرض للسعي فيها ولمصلحتنا لا للسعي من أجل البشر والتحسر على ما لم يكتب من أجلنا!!

فقد نرى من أصابه في جسده بلاء وعاش في شقاء ومدارك عقله لا تستوعب مجالسة الفقهاء؛ ولكن قلبه يعيش بنقاء وصفاء غير حاسد ولا ناقم ولا كاره، ولا باغض، قلب طيب، مسامح، يعفو، ويصفح، يشكر ويحمد الله على ما أعطاه وعلى ما هو عليه.

وعلى النقيض تماما من يعيش في حياته سعيدا ويلبس كل جديد، وأعطاه الله قوة الجسد كالحديد، وعقله ينافس به كل جليس؛ ولكن العجيب! قلبه مريض وليس سليما! يرى ما على الناس من خير ويتناسى النعم التي أعطاه الله إياها! يرى بعين تصغر جناح البعوضة فيحقد ويكره ويمكر ويكفر بنعم الله عليه، في هذا مقارنة عجيبة ينقصها (سلامه الصدر) ففي المثال الأول يظن من تهمه المظاهر أن حال هذا الشخص يرثى له أو سيئ الحظ ولكن في الحقيقة هو من تقبل عليه الدنيا بخيرها ولا شك كذلك تقبل عليه الآخرة بوعد من الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال وهو جالس مع الصحابة في المسجد (يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ).

أعلم جيدا أننا بشر ولسنا ملائكة منزهين وفي ذلك عبرة من قصة شق صدر الرسول -عليه الصلاة والسلام - ولما انتزع جبريل -عليه السلام - علقة من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: هذا نصيب الشيطان منك، أي نصيبه الذي من خلاله يوسوس له وما كان ذلك سوءا من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سوء الصدر من اختيار الإنسان نفسه بل من وسوسة الشيطان، والله -سبحانه وتعالى- أكرم الأكرمين غسل قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- وطهره فهل سينسى أمته من ذلك الكرم؟

هو في الواقع لن ينزل جبريل -عليه السلام- ليفعل بنا مثلما فعل بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الله - سبحانه وتعالى - جعل لنا دعاء فضيلا وعظيما نكرره وندعوه ونرجوه به وكان ذلك دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسلل سخيمة قلبي» أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوه من المشاعر التي تنشأ بالصدر وتسكن في القلب من مساوئ الأخلاق.

فسلامة الصدر شيء عظيم شبهه الشاعر عبدالرحمن العشماوي بالشمس عندما قال:

بسلامة الصدر الحياة تطيب

وتفيض بالحب الكبير قلوب

كالشمس يعصف بالظلام شروقه

وتعتم الآفاق حين تغيب

الأكثر قراءة

مصعب فالح الحربي

خالد في رحاب بارئه