شاهر النهاري

بانوراما شح المياه في الجزيرة العربية

الاثنين - 10 يناير 2022

Mon - 10 Jan 2022

عند الحديث عن أرض الجزيرة العربية، نسمع بعض التخيلات غير الموثقة عن أنهار وغابات سافانا ومروج وبحيرات، وتنوع حيواني ورخاء بيئي، ونتناسى أن الدراسات الجيولوجية والأحافير تقول إن أرضها كانت تمر بعصور من الجفاف التام، يعقبها عصور مطيرة طوال الستة والثلاثين قرنا الماضية، وإنها قد دخلت عصر الجفاف الحالي منذ أكثر من خمسة قرون، ما جعل المياه فيها ندرة ومعضلة وأمنية عزيزة لساكني الجزيرة بعودة المروج والبحيرات والغابات في فترات حياتهم.

وبعد توحيد المملكة العربية السعودية ظلت الحياة تسير بشكل شبه اعتيادي، وتعود على شدة الجفاف والتصحر في أغلب مناطق المملكة، واعتماد السكان في شربهم وزراعتهم المقننة على الأمطار والسيول، ومياه الآبار السطحية، وبعض العيون مما خزنته الأرض، وعلى مدى العصور، في حدود الدرع العربي.

وحدث أن حضرت تقنية الآبار الارتوازية، والسدود، ما مكن من إمداد المدن والقرى والهجر بمياه الشرب.

وبعد طفرة السبعينات تم تمليك الكثير من المواطنين مساحات من الأرض الصحراوية تصل بعضها لعشرات الكيلومترات، فما فتئ أصحابها من المزارعين الجدد أن نخروا الأرض بالآبار الارتوازية الجائرة، وبأعماق تعدت الكيلومترات، ما جعل المخزون المائي الأحفوري يشح، وحرم التربة من رطوبتها، وتأثيرها في رطوبة الأجواء.

وظلت مزارع القمح الطامعة في دعم الدولة تزداد شراهة، قبل أن تغيب المياه، وتصبح أغلب المزارع خاوية على عروشها.

وكم فكرت الدولة وغيرت توجهاتها، فأتت في سبعينات القرن المنصرم بفكرة إحضار جبال الجليد القطبي عبر البحار، وفكرت في استقطاب مياه النيل قبل هدرها في البحر، وتم في النهاية التركيز على تقنية تحلية مياه البحار.

وتعثرت وتبدلت أكثر الخطط، وحتى مياه التحلية لم يتم تخصيصها للإنسان فقط، فظل الكثير يستخدمونها في زراعة الصحراء بعناد وتحد للطبيعة.

ومؤخرا يستمر الجور بتحويل الأراضي الزراعية إلى مخططات سكنية واستراحات، لا يعرف لها أول من أخر، وبما يتبع من هدر جديد لمياه التحلية لإشباع الصحراء وما جد عليها من مساحات عشوائية، ومرافق وطرق ومصانع ومشاريع.

المؤشرات الحالية تؤكد على أننا في قمة الجفاف، الذي يتمادى بزيادة الهدر، وقلة الأمطار، ومحاولة إعادة تدوير بعض مياه المجاري، للاستفادة منها في زراعة الحدائق والطرق قد يكون لها تأثير، إلا أننا نظل بعيدين جدا عن الضبط الطبيعي، ونحتاج عدة قرون لنستعيد بعض رطوبة التربة والأجواء حولنا خصوصا في مواسم الصيف المحرقة.

وحتى مناطق الخضرة وغابات العرعر، التي ما زال بعضها موجودا بندرته ضمن المناطق المطرية على جبال السروات، جارت عليها أيادي الطمع، وتوزيع الأراضي، وقطع الأشجار المعمرة، وكثرة الحرائق، ما يجعلنا أمام خطورة تصحر قمم الجبال، وفناء الغابات، وتحويلها لمكعبات خراسانية، وبالتالي عدم الاستفادة من الأمطار الموسمية هناك.

وزارة الزراعة ظلت تحاول وتتحمس وتصرف الميزانيات الضخمة بخطط خماسية تمسح ما قبلها، وعلى مستوى تغيير خططها بين وزير وآخر، حتى تراكمت الفجوات، ونخرت الأرض، وتعاظم الهدر.

ولا غرابة فكوارث شح المياه العالمي تهدد أهم دول الأنهار والبحيرات العالمية، ومستقبل الأجيال البشرية القادمة.

والسعودية بحاجة إلى تحلية المياه بواسطة المفاعلات النووية، كونها أرخص من التحلية التقليدية على المدى البعيد، مع ضرورة وضع نظم مشددة للمحافظة على استخدامات مياه التحلية.

shaheralnahari@