علي المطوع

الطبالون في جوقة العزف الإداري

السبت - 04 ديسمبر 2021

Sat - 04 Dec 2021

(اجتهاد شخصي من موظف في إحدى الوزارات الخدمية)، كان ذلك هو المبرر والتوضيح الذي أعلن لتبرير ذلك الاستقبال المدائحي الذي قوبل به أحد الوزراء في يوم الرجل العالمي، استقبال تخطى الحدود الفرائحية المعتادة، كونه كان في أسلوبه وطريقته حالة دخيلة على المكان والزمان وطابعهما الرسمي والخاص.

قوبلت هذه الحالة الفرائحية والعبثية بحالة من الرفض والاستنكار المجتمعي، جسدته وعكسته مواقع التواصل الاجتماعي، كون الإدارات والوزارات الخدمية أماكن ينبغي أن تصان وتترفع عن مثل هذه التصرفات التي لا تستنكر مجتمعيا في حدودها وأماكنها الطبيعية لكنها في الوزارات تظل عملا لا يقبل ولا يجب أن يكون.والسؤال طالما كان هذا التصرف مصدره موظف أو موظفة حاول أو حاولت أن تعجب المسؤول وتستدر عطفه واهتمامه، فهل هذا التصرف يعتبر دخيلا على المجتمعات الوظيفية أم أنه موجود أصلا وبطرق مختلفة؟

أعتقد أن الهدف المراد من وراء مثل هذه الممارسات هو ممارسة التطبيل بطريقة أكثر عصرية وملائمة لما يطلبه المشاهدون؛ لأن التطبيل وصف وظيفي يمارسه بعض المصطفين الأخيار من قبل صانع القرار في تلك البيئات الوظيفية.

والمتخصصون في التطبيل لهم أصناف ومصنفات عجيبة وغريبة في هذا الفن الأعوج والأعرج معا، فالسكرتير الأول لسعادة المدير، يمارس أسلوبا من التطبيل لا يمارسه غيره، فهو الأقرب للمدير، وهو الأعرف بتفاصيل ما يحب وما يكره، هذا النوع من الموظفين أو المطبلين لهم قدرة على التشكل من خلال تحديث ميزهم الفنية الأدائية تبعا لشخصية كل مدير وفنه وذوقه ونفسيته، فهم عبارة عن أنظمة منفتحة ومفتوحة تستطيع استيعاب أي مدير والتناغم مع طلباته واحتياجاته التطبيلية التي تجعله يعيش سكرة المنصب وتبعات حلاوته.

أما رؤساء الأقسام من نفس الفئة، فيخصصون جزءا كبيرا من وقتهم لتسليع مفاهيم صاحب السعادة وجهوده الخيرة وغير المسبوقة، في تطوير تلك الإدارة، التي كانت تعيش عصر الظلمات قبل أن يستعمرها سعادة المدير الجهبذ وفريق عمله.

في مجموعات الواتس اب -مثلا- يتم الاصطفاف أمام صاحب السعادة والتناغم مع مقترحاته التي تكون عادة صوابا لا يحتمل غير الصواب، وضرورة تقتضيها المرحلة الحرجة للمرفق الخدمي، ثم يأتي استثمار وجود سعادته في هذه المجموعة فتتم مراسلته عن طريق الخاص للتعبير له والإعجاب بما قال وبما سيقول كيف لا وهو المدير الهمام صاحب العطاء والإنجاز!

ومن التطبيل أن توضع صورة سعادته وشهاداته وتمريراته في حالة واتسية لمدة 24 ساعة ليعلم سعادته وبقية الجوقة مدى الولاء والحب لهذا المدير ومدى ما يتمتع به من حب وشعبية بين كتائب الإيقاعيين والإيقاعيات، الذين ألفوا النفاق والكذب ليصبح وصفهم الحياتي بشكل عام قبل أن يكون عنوان حضورهم الوظيفي في تلك البيئات الوظيفية المأزومة بهم وبتصرفاتهم.

ومن الصور أيضا أن يضحك على طرائف سعادته (وأفيهاته) العميقة التي تعكس خفة دمه وعقله معا، وقدرته على اصطياد اللحظة وتحويلها إلى مشاهد كوميدية يكون فيها سعادته هو البطل والبقية (كومبارس) لا يضرون ولا ينفعون، وما أن يطلق تلك (النكتة) حتى يتساقط المطبلون من الضحك وحدانا وزرافات، ولعل أمثلهم وأخبرهم طريقة وأخبثهم أسلوبا، من يستجدي الدموع لتخرج من عينيه أثناء ضحكه، وآخر يضع يده على خاصرته من شدة الألم الذي صاحب (نكتة) سعادته، وبعد ذلك تؤرشف هذه النكت في ذواكر كتائب المطبلين الخالية أصلا من المفيد، ثم يأتي استعراضها في حالات السمر عندما يسدل الليل سواده على الاستراحات المخصصة للقاء سعادته، مما يضفي نوعا من البهجة والسرور على قلوب الشلة، ويزدان المساء ويضحك الجميع!

التطبيل الإداري فن قديم له رموزه وقواعده، فهو فن يتجدد ويتحدد بطريقة وأسلوب أصحاب السعادة الضعفاء، الذين يخصصون شيئا من أوقاتهم للتندر على مواليهم الذين فرغوا أنفسهم لإسعاد المدير والتلذذ بمناجاته والانبطاح لرغباته، وتلقف ما يحب والابتعاد عن ما يكره، إما عن طريق رسائل الواتس اب، أو المشافهة، والأخيرة منزلة عالية وعصية لا يصل إليها إلا الراسخون إيقاعا في الدجل والكذب والغش والتدليس، وهم قلة لكنهم مؤثرون ويظهرون ويتمظهرون في الوقت المناسب مع الرجل الأكثر مناسبة.

وبالعودة لحادثة المداحة في تلك البيئات الخدمية، فأنا أراه وضعا عاديا من ناحية ما يسود من تطبيل وتغرير بأصحاب السعادة في تلك الأماكن -كل ما هنالك- حالة اجتهاد جديدة يراد من خلالها وبها الخروج خارج الصندوق والتعبير عن حالة من المديح بطريقة تطبيلية أكثر تأثيرا ورسوخا في الذاكرة وقبل ذلك المشهد، وهذا ما كان وسيكون في ظل تكاثر هؤلاء المطبلين وقدرتهم على التماهي مع أصحاب السعادة والتغلغل في المشهد الوظيفي من خلال إيقاعاتهم المخاتلة والخداعة، كون هذا الطبال يستخدم السلم الموسيقي بكل درجاته، ليضمن الوصول في وقت قصير، إلى أعلى درجات السلم الإداري ليصبح بعد ذلك صاحب سعادة قدير له أذن موسيقية تميز الغث من السمين، وهذا يقتضي دائما أن تكون أول مهامه الإشرافية، البحث عن طبال جديد وجدير راسخ في الدس والتدليس!

alaseery2@