ياسر عمر سندي

باختصار المعرفة التنظيمية في احتضار

الأربعاء - 03 نوفمبر 2021

Wed - 03 Nov 2021

لسان الحال أبلغ من لسان المقال؛ يقال المثل عندما يطول شرح قضية تلامس الجانب الإنساني ولا يتغير شيء وإن بلغ الكلام منتهاه فإن الحال يتحدث كثيرا ليعبر عن ذلك الوضع؛ هكذا هو لسان حال الموظفين في بعض المنظمات يبدو وكأنما يرددون المثل جراء ما عانوه ويعانونه.

خطة تسريح الموظفين بإنهاء عقودهم والتخلص منهم كنوع من التقليص العددي والتوفير المادي خطأ كارثي فادح يرتكبه كبار التنفيذيين وتقع هذه المسؤولية تحديدا على عاتق الموارد البشرية.

قد يحتاج الوضع التنظيمي برمته إلى إعادة صياغة وتشكيل بلاشك؛ لكن الأمر لا يخلو من هيكلة المنظمة جذريا من الأساس للقمة والذي يطلق عليه في الفلسفة الإدارية «الهندرة» وهي البدء من نقطة الصفر وليس ترميم الوضع القائم وتجميله وإنما التخلي التام عن الإجراءات القديمة والتفكير بصورة جديدة لمواجهة المتغيرات الطارئة لمواكبة مجريات السوق المحلي والعربي والعالمي بمجال الموارد البشرية.

رأس المال البشري يعتبر من أكبر المؤثرات التنظيمية سواء كان ذلك التأثير إيجابيا أم سلبيا؛ أي أنه يرفع من قدرات المنظمة وإنتاجيتها وعلى العكس من ذلك قد يخفضها ويكلفها الكثير بحسب المعرفة التخصصية العلمية والمهارية التي يمتلكها الموظفون كل في مجاله؛ هذان المعياران الهامان اللذان يمتلكهما الموظفون المؤهلون من خلال التدريب النظري والعملي والذي مكنهم من الحصول على معرفة مهنية متخصصة لمزاولة أعمالهم؛ قد يغفل التنفيذيون عن أمر استراتيجي حساس وهو أن التدريب والتأهيل يكلف المنظمة مبالغ ضخمة والتي تفرز أيضا عوائد معرفية مكتسبة ربما تهدر بسبب فتح برامج التسريح العشوائي.

آلية الدمج الجديد بين نظامي التقاعد في التأمينات الاجتماعية تهدف إلى إحداث التغيير الإيجابي لصالح الموظفين وحل الإشكالية الأزلية بين النظامين؛ وليس المغزى منها تقليص أكبر قدر من الموظفين وتحديدا من هم على نظام التقاعد؛ المسألة تحتاج إلى سياسة «الغربال الفعال» بالنظر إلى من يمتلك القوة المعرفية أي الخبرة والدراية والأداء كي يبقى في عمله ولا يتم تسريحه؛ لكن يتساقط من الغربال فاقدو المعرفة سواء من ناحية الخبرة والأداء والإنتاجية والأسلوب المهني والسلوك الأخلاقي أو غير المؤهلين صحيا ونفسيا تلافيا لحدوث الفجوة المعرفية بين من يعرف ومن لا يعرف جراء استحداث برامج الإحلال الوهمي التي ترهق ميزانية المنظمة بالإنفاق على الموظفين الجدد.

ما حدث مؤخرا من تعيين من يطلق عليهم مستشارون أو تنفيذيون بعقود هم في الأصل لا يفقهون للبيئة الداخلية للمنظمة صاحبة النشاط ولا يتقنون صناعتها أصلا؛ فيقع ما يسمى بالهدر التنظيمي والترهل الإداري غير المبرر بأن يصدروا توجيهات متخبطة تجاه الموظفين وكأنما هم أساس المشكلة مقابل إحلال أعداد أخرى بزعمهم أن ذلك يعتبر إصلاحا إداريا.

أرى أن هؤلاء التنفيذيين يحتاجون إلى استيعاب فكرة مدرسة السلوك الإنساني التي نادت بالنظر في حقوق الموظفين في بدايات القرن الماضي بعد ظهور الثورة الصناعية والتي استحدثت أثر التجاوزات والتعديات المجحفة على الحقوق العمالية واستغلال مسؤولي الأعمال لجهود العمال تحقيقا للمصلحة الخاصة على حساب الحالة النفسية للموظفين.

تحقيق التوازن بين النظر في مصالح المنظمات وحقوق الموظفين يحتاج إلى عقول إدارية واعية تؤمن بالمعرفة الكامنة لدى الموظفين وبأن التسريح التعسفي لا يأتي بخير على المستوى التنظيمي والنفسي والمجتمعي؛ فالأمر يستدعي الكثير من السداد والمقاربة حتى تتم المحافظة على ما تبقى من المعرفة التنظيمية لدى المنظمات في رؤوس أموالها البشرية لتستمر قبل أن تضعف وتهرم وتموت.

@Yos123Omar