هند علي الغامدي

هل نخون لغتنا؟!

الخميس - 07 أكتوبر 2021

Thu - 07 Oct 2021

إن حماية اللغة العربية وصون أمنها أمانة يتحملها كل مسلم وكل عربي، ويضطلع بالجزء الأعظم منها المتخصصون في دراستها والبحث في علومها، وفي تعليمها وتعلمها، وإنه لمن المؤلم أن يؤتى من مأمنه الحذر؛ فتسدد إليها الطعنات من أبنائها ومن يفترض أن يكونوا حماة حماها علنا وجهارا؛ فكم من المواقف والحالات التي تنتهك فيها حرمتها، أو يستبدل غيرها بها؛ بعضه أو كله؛ استسهالا له واستصعابا لها، أو إعجابا وإعظاما له ولقدرته التعبيرية وتفوقه الاقتصادي، واستنقاصا للعربية وتهوينا لشأنها، أو جهلا بقدرتها وقيمتها الدينية والسياسية والحضارية.

يحضرني أحد تلك المواقف لإحدى الباحثات في إحدى الجامعات العربية، حين اقترحت ابتكار آلية معينة تستبدل فيها الحروف العربية بالحروف اللاتينية، فأفرد المشرف ما يقارب عشرين دقيقة لمناقشة التفكير في هذه الفكرة التي استهجنها متسائلا «أنتِ أين تعيشين؟!.. ألا تعرفين أننا (العرب) صفر على الشمال وأننا في ذيل القائمة؟!»، أسئلة ليست للإجابة؛ بل للتقرير، وانتزاع تأييد الحاضرين لما ذهب إليه من حقيقة العرب والعربية كما يراها.

ذلك الموقف النفسي الانهزامي من العربية يهز أي مسلم وأي عربي؛ ولاسيما إذا كان صادرا من راهب في محرابها، لم أنس ذلك الموقف، ولم تهدأ حرقته إلا بعد أن بدأنا نعيش هذا الحراك العظيم لحماية اللغة العربية والذود عنها، وتمكينها محليا وعربيا وعالميا، حراك تقوده رؤية سياسية ثاقبة، ورسالة وطنية سامية، وأبناء مخلصون لدينهم وعربيتهم ووطنهم، وهو يجسد قيمة اللغة العربية الحقيقية لدى أبنائها، مهما عصفت بها رياح العولمة، أو حجبتها سحب الجهل والتبعية للآخر وضياع الهوية.

ولكن ذلك لا ينفي أن التحديات التي تواجهها العربية مازالت قائمة؛ فكل يوم يحمل الجديد منها ويستنهض همم أبنائها لمواجهته، ولعل أخطرها حضورا الآن المشهد الذي نرى فيه أبناءنا يعجزون عن التعبير باللغة العربية في أبسط الأمور اليومية؛ بله الأمور الأخرى الأكثر أهمية؛ فيلجؤون إلى التعبير بالإنجليزية ثم ترجمتها إلى العربية؛ ليفهم مقصدهم المعني بالرسالة الذي لا يجيد أو لا يقبل إلا العربية، انتشر هذا الأمر بين أبنائنا مؤخرا، ولاسيما أبناء المبتعثين والملتحقين بالمدارس العالمية وبعض المدارس الأهلية.

وأما تطعيم الكلام بمفردات أو تعبيرات أو أمثال وحكم غير عربية؛ اعتقادا أنها معبرة أكثر من العربية، أو إظهارا لإجادة اللغة الأخرى، أو جهلا بغنى العربية بمثلها وبما يفوقها مما قصرنا في تسليط الضوء عليه نظريا وعمليا؛ فجهله أبناؤها وذهبوا يلتمسونه في لغة أخرى؛ فالحديث فيه ذو شجون وقد طال ومازال.

ولا يغيب عن المشهد ذلك المتخصص الذي يفقه كل شيء في لغته إلا الحديث بها صحيحة؛ تهتز لغته فتهتز القدوة بكل أسف، لم يكن يحتاج إلا إلى الإيمان بلغته واحترامها ثم التدرب على الحديث بها صافية صحيحة، وليس هو فقط من يحتاج إلى تدريب لسانه العربي؛ فكل من يتلقى قواعد العربية نظريا لابد أن يترسخ في أعماقه أن المخرج النهائي المطلوب هو الحديث بها صحيحة فصيحة أو فصحى، ويعظم الأمر عند كل من يتصدر للخطاب السياسي أو الديني أو الإعلامي أو غيره.

لقد غابت عنا أو كادت حصص ودورات المحادثة بالعربية حتى في زخم الدورات الذي شهدناه بعد الجائحة، نحن نحتاج إلى تقويم ألسنتنا وأقلامنا العربية من خلال التدريب المكثف والتدرب على الحديث والكتابة باللغة العربية وفق قواعد العربية الصحيحة؛ فحفظ أمنها يبدأ من هنا؛ لأن من يتقن لغته فهو يحبها ولا يستبدلها ولا يكدر صفوها بالأخطاء أو بما ليس منها.

إن استبدال اللغة الأجنبية على أي مستوى ولأي سبب باللغة العربية في غير مقامه، وعدم الحرص على سلامة العربية وأمنها، لا يمكن أن يصنف ضمن الوفاء والولاء للغة العربية؛ لغة القرآن الكريم؛ لغة الدين والوطن، وإذ لم يمكن ذلك؛ فهل يمكن إذا تصنيفه ضمن الخيانة اللغوية؟

hindali1000@