مرزوق بن تنباك

الفزعة للتراث الفقهي

الثلاثاء - 17 أغسطس 2021

Tue - 17 Aug 2021

التراث معنى شامل وهو يعني كل ما خلفته الأمة من أقوال وأفعال وآراء ومعتقدات ترثها أجيال بعد أجيال، وحقب تتبعها حقب، وهذا التعاقب البشري التراكمي هو في نهاية المطاف ما يسمى الموروث والتاريخ، ولا يمكن أن يكون كل ما خلفه البشر على امتداد تاريخه مقبولا ومقدسا؛ لأن العقول التي صنعت التراث فيها من المفارقات والاختلاف ما لا يمكن قبوله والرضاء به، لأنه صناعة أجيال في أوقات متباعدة وفي أحوال مختلفة وهي معارف فيها السديد الجيد، وفيها الضعيف المتروك.ولا تجد أمة من الأمم تزكي تراثها كله وتحافظ على العمل به وتحميه وتؤمن بكل ما جاء به من أقوال وأفعال ولا تجعل منه شيئا مقدسا لكنه خاضع للنقد والغربلة والترك لأكثره والاعتبار بالقليل منه، ذلك أنه صناعة بشرية يعتريها ما يعتري عقول البشر من الصحة والضعف والخطأ والمعروف والمنكر.

وليس التراث العربي والإسلامي بدعا من البدع ولا استثناء من القاعدة العامة لمفهوم التراث الذي يحمل المتناقضات إلا أن البعض لا زال يتحرج من مناقشة ما جاء في التراث العربي والإسلامي لا سيما إذا تعلق الأمر بما يقوله الفقهاء ويجتهدون في طرحه ولو كان في أحوال مختلفة وأزمان متباعدة، وليس هناك ما يمنع المراجعة سيما إذا كان قولهم لا يستند على نص من القرآن أو السنة ويكون قولا فيه من الإساءة للدين ما فيه.

قبل أيام اطلعت على كتاب للدكتور عبدالله الصرامي يشير فيه إلى بعض الغرائب مما دونه الفقهاء المتقدمون في مدونات لا زال العمل بها معتبرا حتى اليوم، وذكر بعضها وهي تسيء إلى الفقه وضد الرحمة والرفق الذي أرسل بهما نبي الرحمة، وفوق ذلك ليس لها مستند من القرآن ولا من السنة المطهرة.

وتطبيق تلك الأقوال مستحيل عقلا وشرعا وهي من تخيلات الفقهاء وافتراضاتهم المعروفة، ومنها مثلا أن الزوج غير ملزم بعلاج زوجته إذا مرضت وليس ملزما بإطعامها من نوع طعامه إذا كان طعامه أعلى من ما كانت تطعمه قبل الزواج يقول: (إذا كان الزوج يأكل الحلوى والحمل المشوي والباجات، والمرأة كانت تأكل في بيتها خبز الشعير لا يؤمر الزوج بأن يطعمها ما يأكل بنفسه)، ويقول: (للمسلم قتل مرتد وأكله وقتل حربي ولو صغيرا أو امرأة وأكلهما)، وثالثة الأثافي في قوله: (أما الأسرى فيمشون إلى دار الإسلام فإن عجزوا قتل الإمام الرجال وترك النساء والصبيان في أرض مضيعة حتى يموتوا جوعا وعطشا لأننا لا نقتلهم للنهي). انظر كيف فهم النهي عن قتل النساء والصبيان وكيف الحل عنده؟.

هذه ثلاثة نصوص من مدونات فقهية تدرس حتى اليوم وغيرها مثلها مما هو أشد غرابة وبؤسا، وعندما سئل بعض الفقهاء المعاصرين عَرَّضُوا بالجواب وأشاروا على استحياء بالعرف المتبع، والأولى أن تكون الإجابة صريحة تجرم هذه التخيلات التي لا تستند على أساس من الدين بل هي ضد ما أمر به الإسلام وضد الإنسانية والمروءة وموضع للغمز واللمز في التراث الفقهي.

إن اليوم غير الأمس، في الأمس ما يدون الفقهاء في مدوناتهم لا يطلع عليه غيرهم، أما اليوم فالناس كافة قراء ومطلعون وسيجدون في المدونات الفقهية من الغرائب ما يكون مجالا للأخذ والرد كما حدث مع التغريدة التي أشارت إلى كتاب الدكتور عبدالله الصرامي حين هب كثير من الناس ينددون بالكتاب وصاحبه دون الاطلاع على ما فيه ومعرفة ما يحاول بيانه.

والواجب أن تقوم لجان من الفقهاء المعتبرين وأن تراجع المدونات الفقهية في كل المذاهب وتنقح وتنظف من الأفكار الشاذة والافتراضات والتخيلات غير المعقولة، ولا تترك رصيدا ثقيلا على الفقه والدين؛ فقد يأتي من جهلة الناس من يجددها ويعمل بها كما فعلت داعش في العراق وبوكو حرام في شمال أفريقيا.

Mtenback@