دلال العريفي

أحاديث إدارية.. الصمت التنظيمي

الاحد - 08 أغسطس 2021

Sun - 08 Aug 2021

لا أحد يتوقع أن أحدا يذهب إلى عمله عازما جازما أنه لن يكلم اليوم إنسيا، لكن صمت الأفراد داخل الإطار التنظيمي صار مسألة تستدعي عدم الصمت عنها أكثر، وإذا كان هناك من يفخر بكمية الهدوء غير الطبيعي في مؤسسته، ويفاخر بالصمت الذي يسود أروقة المكان. فإن ذلك لا يعد إلا توهما منه أن «الصمت علامة الرضا»، مع أن الرضا التام لا يفترض الصمت، ولا يدعي أن السكوت من ذهب.

إن سيطرة الصمت في بيئة العمل أصبحت من المشكلات التي باتت تؤرق المسؤولين والقادة، بحسب نتائج دراسات كثيرة في هذا المجال. وأرجو أن يكون الأمر كذلك، لا ليدوم أرق القادة بالطبع، وإنما لنتنبه لهذه المشكلة ونعالجها.

إن الصمت التنظيمي (Organizational Silence) مؤشر مهم لغياب الرضا، وضعف التواصل، وانعدام الإبداع، وجمود الفكر الإداري في المنشأة؛ فالصمت ليس سلاما دائما، ولا يعبر إلا عن وجود مشكلات كبيرة تواجه الأفراد وتمنعهم من طرح أفكارهم، وتقديم مبادراتهم ومساهماتهم الفاعلة؛ فهو دليل قاطع على وجود مشكلات تنظيمية حقيقية تعبث بالمؤسسة وأفرادها وتحول بينها وبين نجاحاتها وتحقيق أهدافها.

لماذا يكثر الصامتون؟ يعتقد البعض أن الصمت التنظيمي سببه اقتناع الأفراد بأن لا أحد يهتم بآرائهم، ولا يقدر أفكارهم، فيستسلمون ويخضعون لهذه الفكرة طويلا، بينما يرى آخرون أن صمت العاملين ليس إلا تعبيرا عن خوفهم من الانتقاد أو الاستصغار أو المحاسبة من قبل الإدارة، فيكون الصمت بمثابة درع وقائي لهم، فلا يشاركون المعلومات ولا يفصحون عن الأخطاء ولا يمررون الخبرات. وهناك فريق آخر يؤمن إيمانا تاما أن الصمت في بيئة العمل هو «صمت إيجابي»، لتحقيق مصلحة المؤسسة والحفاظ على سمعتها، وأن من الحكمة عدم التحدث عن مشكلاتها التنظيمية، وكشف المستور فيها.

ويترتب على حالات الصمت التي تسود المؤسسة عدة آثار سلبية، منها ضعف مستويات الثقة والاحترام بين الأفراد، وارتفاع معدلات دوران العمل واللامبالاة في الأداء، والتهرب من التعلم والتطوير، وتردي جودة المناخ التنظيمي، وإحجام الموظفين عن الابتكار والتعاون، وانعدام الانسجام بينهم وبين الإدارة، وميلهم الدائم إلى تجنب المصارحة، وعزوفهم عن تبادل المعلومات وتقديم المقترحات والآراء للإدارة، والأكيد أن كل هذه الأمور من شأنها أن تتسبب بعواقب وخيمة ونتائج سلبية على صحة المؤسسة التنظيمية وأدائها وديمومتها،

فالحديث والإفصاح في وقت مبكر عن مؤشرات الخطر والضرر الذي يحيط بالمؤسسة يساعدها ويقيها من أزمات أخطر وأكبر، ويرفع قدرتها على اتخاذ القرارات الصحيحة، ومعالجة الأخطاء والاستفادة منها.

وهناك ثلاثة أمور مهمة نحتاج أن ندركها في مسألة الصمت التنظيمي، أولها أنه لا يحدث فجأة، بل يتطور ويتفاقم بتتابع أحداث وأمور كثيرة في المنظمة، منها عدم تشخيص العوامل الداخلية التي تؤدي إلى الصمت، مثل سيطرة البيروقراطية والمركزية، وضعف نظام الاتصالات، والممارسات الإدارية المشوهة، وضعف التنسيق والتحفيز، وانعزال الإدارة وامتناعها عن التواصل مع العاملين، مما يؤدي تدريجيا إلى تفكك الروابط، واتساع الفجوة بين الجميع.

والأمر المهم الآخر أن مواجهة سلوك الصمت التنظيمي لابد أن تكون من أولويات العمل القيادي في المنظمة، فالمواجهة والمعالجة تتضمن القيام بأدوار حقيقية في خلق فرص التمكين للعاملين، وتصحيح وتطوير كل السياسات الإدارية التي تشتت الجهود، وتعيق التكامل والتعاون والتواصل بين العاملين والإدارة.

والأمر المهم الأخير أن الموظفين لو قالوا كما قال الأولون «ونصمت ليس يعني أن رضينا.. ولكن ليس يجدي ما نقول»! فيلزمنا أن ننتبه مبكرا لمؤشرات اليأس هذه قبل فوات الوقت، والتزامهم الصمت.

@darifi_