أحمد الهلالي

فيلم المسافة صفر لم ينصف النسيان!

الثلاثاء - 03 أغسطس 2021

Tue - 03 Aug 2021

الفيلم السينمائي السعودي (المسافة صفر)، من الأفلام السعودية المدهشة، معروض على (نتفلكس)، كتبه مفرج المجفل، وأنتجته جمانة زاهد، وأخرجه عبدالعزيز الشلاحي، وتبناه مركز إثراء الثقافي، وفاز بجوائز مختلفة، وهو حقيق بالفوز، فقد حظي بعناية كبرى في تأليفه، وفي شخصياته ورؤيته الإخراجية، وكذلك في تصويره، وهو من الأفلام المبشرة جدا في السينما السعودية.

العمل من أفلام الجريمة والغموض، لا يتجاوز ساعة و10 دقائق، يقوم موضوعه على الانتقام بفعل ما حدث في الماضي، فجاء السيناريو بحواراته ولغته الجميلة مناسبا لموضوع العمل، أما التصوير والإضاءة فقد تناسبا مع غموض الفيلم في المجمل، وجاء أداء الشخصيات مدهشا من كادر التمثيل المنتقى بعناية.

الرؤية الإخراجية جاءت مدججة بأدوات الغموض، منذ الجثة والتترات الأولى، والمخرج عاقد العزم على ازدحام ذهن المشاهد بالأسئلة، فبرع في الاستحواذ على الانتباه، وإذكاء الفضول حتى بلغ التشويق منتهاه، وتعاظمت الأسئلة، وزاد حرص المشاهد على تأمل كل تفصيل في العمل؛ لأن جعبة أسئلته قد فاضت، وهذا الفيضان قد تعمده الكاتب والمخرج، حتى جاءت لحظة التنوير في نهاية الفيلم، لتعرض حل الغموض في أقل من 3 دقائق، فقلبت الأحداث والتوقعات كلها رأسا على عقب.

كل ما سبق يحسب لهذا العمل السينمائي، أما النقطة الجوهرية التي كان يجب أن تكمل الوهج، فهي نقطة الإقناع بحالة النسيان التي تعتري شخصية البطل (ماجد)، وهذه النقطة انبنى عليها كامل العمل، وجعلها المخرج أساسا عميقا للمؤامرة التي اتفق عليها (لامي ومروان) وهما في السجن، ثم نفذاها ضد (ماجد والشيخ سعد).

ولنناقش هذه النقطة بروية، ولنتأمل أنواع النسيان كما يلي:

فطلب البيتزا نوع النسيان (غذائي)، واتصال حبيبته (وجداني)، وصديقه عبدالله شافي (اجتماعي)، وصديقه بدر (اجتماعي)، والمسدس في الدرج (مفتعل) وطلقة المسدس (مفتعل)، والريموت في الثلاجة (طبيعي)، والدواء (مفتعل).

بدأ العمل بنسيان ماجد أنه طلب العشاء من المطعم رغم وصول المندوب، واتصال صاحب المطعم، ونسيانه استقبال اتصال حبيبته، وهذان النسيانان هما أبعد الأمور نسيانا لتعلق الأول بحاجة فسيولوجية (الغذاء) المرتبط ارتباطا وثيقا بالجوع وغريزة البقاء، فهو ليس أمرا عاديا يمكن جعله عرضة للنسيان العارض، والثاني يتعلق بالوجدان، والحب لا يمكن أيضا أن يكون في مهب النسيان لأبسط عارض، وهذان النسيانان أيضا لا يمكن للامي التصرف فيهما أو التشويش عليهما، بحيله المختلفة.

أما من ناحية الإقناع الذي لجأ له القائمون على العمل في نهاية الفيلم في لحظة التنوير، فقد لجؤوا إلى أن ما كان يتعرض له ماجد ليس إلا تشويشا بفعل المؤامرة التي عقدها (لامي ومروان) في السجن لينتقما من ماجد والشيخ سعد، وأظهر المخرج عددا من المشاهد المتعلقة بنسيان المسدس، وضياع الطلقة، والدم على الزولية، وافتعال صورة الجثة الوهمية، لكنه لم يظهر أي تبرير للحالة التي تعتري ماجد بصفة عامة.

كان يجدر بالعمل إقناع المشاهد بحالات النسيان، فعلى صعوبة نسيان ما يتعلق بالحاجات الفيسيولوجية والوجدانية، إلا أن العمل ـ على قصره النسبي ـ لم يصنع سببا مقنعا لحالة النسيان (العامة) التي تعتري ماجد، وأن يكون ذلك المبرر هو الذي جعل (لامي ومروان) وهما في السجن قبل أن يعلما بحالة ماجد، يستغلان الحالة ويؤسسان عليها مؤامرتهما التي قتلت الشيخ سعد، وصيرت ماجدا قاتلا له، وكان حريا بالعيادة النفسية أن تخدم الأحداث فلا ينتهي العمل دون تقرير الطبيب النفسي، هل كان النسيان بفعل مرض في الدماغ كما تكهن شاكر ولامي بـ(الزهايمر المبكر)، أم بفعل حادث، أم بفعل صدمة عاطفية عميقة، وكل هذا لم يظهر في هذا العمل، الذي ما أزال أعتبره نقطة مضيئة بجدارة في الدراما السينمائية السعودية، وأدعوكم لمشاهدته.

@ahmad_helali