مرزوق بن تنباك

الرياض الجديدة

الثلاثاء - 27 يوليو 2021

Tue - 27 Jul 2021

عرفت الرياض منذ خمسة عقود وتعرفت عليها وعلى كل أحيائها ومرابعها القديمة وما يستجد، وما أكثر ما استجد بها من الأماكن والأحياء والناس، وقد كانت الحياة ومطالبها والشباب ورغائبه ومن جاء إليها والذين يعيشون فيها مجالا واسعا لنشاطات واحتفالات واهتمامات صاخبة، وحياة مائجة بالأحلام لمستقبل أفضل.

كانت الرياض تقفز في كل اتجاه وتمد أجنحتها العريضة في كل أنحائها المفتوحة، كان سكان الرياض القادمون إليها مثلي من جميع أنحاء المملكة ومن العالم أيضا، وكل كان مشغولا بما جاء من أجله إلى الرياض، من جاء للدراسة همه أن يجد مكانا في جامعتها الوحيدة، ومن جاء للعمل وما أكثر من جلبهم البحث عن العمل ولقمة العيش إليها.

ومن هؤلاء وأولئك تعيش الرياض عجة مستمرة وضوضاء محببة للناس فيها، لا تهدأ ولا تمل ومجتمع الرياض الجديد مثلها في نموها وقفزها وتجاوزها للحدود وهو طابعها المميز لها ذلك النوع الذي بدأ يتحول من حياة البداوة وبساطتها إلى شيء جديد متطور ومختلف يودع الشظف وشؤون البداوة والبساطة ويرنو إلى ما هو قادم وكأنه موعود بما ستكون عليه بعد ذلك.

أمطرت الثروة في سماء الرياض منذ أوائل السبعينيات الميلادية وتعرض أهلها ومن جاء إليها إلى رذاذها على رؤوسهم وكل حصل على نصيبه بمقدار جهده وممارسته وما تمليه ملكاته.

تمتد الرياض وتتسع لكن بصورة القرية النجدية لا تهتم بالشكليات كثيرا بعيدة كل البعد عن طبيعة المدينة العصرية، ولم تلبث على تلك الحال طويلا فغيرت خططها وميزت بعض أحيائها، كان الملز فاتحة التغيير من القرية إلى صورة المدينة وبداية الانطلاق السريع إلى شيء جديد مختلف هو الرياض الفتاة.

غادرتها وبقيت بعيدا عنها عقدا من الزمن وعدت إليها ولم أعد أعرفها في غير أسمائها وما بقي من أحيائها، انطلقت أبحث عما أعرف وجدت شيئا ولم أجد كثيرا ممن عرفت، غبار المخططات قد رسم ملامح المدينة الجديدة التي ستكون غير ما كنت أعرف.

بعد عودتي إليها كنت أجد وقتا واهتماما لأكتشف الرياض مرة أخرى، وأزور أحياءها القديمة والجديدة ثم انشغلت بما أنا فيه من اهتمامات ليس فيها مزيدا من الوقت أقضيه متنقلا بين مدن الرياض التي كانت أحياء فتحولت إلى مدن يجاور بعضها بعضا ويأخذ بعضها من بعض، ولكن عندما أجد وقتا ولو قصيرا أو طارئا أشعر أن تلك المدن يصيبها شيء من الوهن وتظهر على شوارعها ومبانيها ملامح التقدم في العمر ويظهر عليها شيء من الإهمال والعجز، وأنا أيضا مثلها لم أعد أهتم بالبريق والضجيج فبقيت في الحيز الذي اخترته منها ولم أعد أجد رغبة في التجول كما كنت من قبل.

لكن منذ سنتين أو ثلاث رأيت في الحيز الذي أسكنه أشياء تتطور وتتجدد وتتحول إلى شيء ما كنت أعرفه من قبل؛ فعاودني الحب القديم للتجوال في المدينة كلها واكتشافها ومعرفة ما يحدث فرأيت ما لم أعهده من تجدد في كل أحيائها وشوارعها وتغير ملامح القديم منها إلى وجه نظيف محدث، فالطرق زينت ورصفت وخططت وشجرت واتسعت أرصفتها ونظم السير فيها وتغيرت صورتها الباهتة إلى ما يجلب النظر ويساعد على راحة السائر.

وحتى المباني القديمة والعمارات التي نالها شيء من التعرية جدد شبابها وكسيت بالزجاج الذي أخفى تجاعيد الزمن على وجهها، ولم يكن الحي الذي أسكنه هو المعتنى به المتطور والمتجدد، لكن نالت العناية جميع مرافق المدينة الواسعة وأصبحت الرياض الجديدة التي ترى فيها ما يشغلك وفيها ما يلهيك ويشد انتباهك ويغريك بالمزيد من الحركة والاستمتاع، حفظ الله الرياض وأهلها وزادها تطورا وشبابا وجميع مناطق المملكة وسكانها وكل عام وأنتم بخير.

Mtenback@