شاهر النهاري

رؤية التعليم عن البعد

الاثنين - 12 يوليو 2021

Mon - 12 Jul 2021

كثيرا ما تكون الأفكار النيرة عصية على الفهم، ويعترض طريقها الكثير من العقبات والنزعات، التي قد تفسد الكثير من حولها قبل تخطيها.

ونظل نتساءل هل ستعبر الأزمات من ذاتها أو أننا مجبرون على التفكير وبذل تضحيات مادية، ونفسية، وعلمية تقنية، واجتماعية، وتربوية قبل أن نتخطاها.

وخلال أزمة كورونا طرحت فكرة التعليم عن بعد، بشكل دولي، ومحلي، وتعالت أصوات النقاش الباحثة عن الحلول، بقدر ما تستوعبه من مجالات الرؤية، وما تعيشه، وما يتبادر إلى الذهن من تطلع وقصور.

قضية تحويل الدراسة إلى مكوث الطالب في بيته، وقيام المدرس بمتابعة ما يفعله على شاشة ضيقة، قد تكون عملية مفيدة وفاعلة بشكل موقت، وطالما أن الطالب في سن يستطيع خلاله الالتزام بالزمن، والكيفية، والمتابعة، برغبة في التعلم، والتأقلم مع الوضع الفوضوي المستحدث في أوقات النوم، وكيفية حضور الدروس، بهندام محترم، والجلوس بوضعية ملتزمة، وانتباه، وعدم تحويل الدرس، إلى منطقة ملل، أو تضييع للوقت.

مهمة المعلم مزعجة، فكم طالب يستطيع التعامل معهم في ذات الوقت، وهل سيعطي لكل منهم حقه؟ أم إن الذكاء الصناعي، سيدخل في مناطق المساعدة بتطبيقات افتراضية، تعطي الفرصة لكثير من التعثر في التوافق، خصوصا مع أعمار الطلاب الصغيرة.

تغطية شبكات الإنترنت، هل ستبلغ كل سكان المدن والصحاري والقرى الجبلية، وهل ستكون إمكانيات جميع الأطفال متساوية في تحمل أعباء وجود الأجهزة، غنيهم وفقيرهم، ودون خلق طبقات وفئات مجتمعية، تتباين قدراتها على تنفيذ تلك الخطة، وما يتفرع عنها.

ثم ماذا عن الحالة النفسية والاجتماعية للطالب الصغير، حين يفقد حياة الطفولة والجماعية واللعب وتعلم النظام، ومعاشرة خليط من الزملاء باختلاف الأمزجة، وحرية انتقاء الأصحاب والحكم على الآخرين والتجربة، التي قد تحصل مع زميل، وتترسخ في مخيلته بآثار عميقة قد لا يميزها ولا يقدمها المدرس من خلف الشاشات.

الجيل الحالي مهدد بفقد الهوية والذات والذكريات، والتأثر السلبي بالتقنية المريضة، والتي تولد عزلة، ومراحل لعب، وصداقات افتراضية ووهمية، وخوفا، وجنوحا للأفكار الشاذة البعيدة عن حياة الإنسان الطبيعي، المنتج، المقدم على إتقان فنيات عمل اليد والاختراع، والواقعية في التعامل مع كل لحظة من حياته، خارج الأجهزة.

العودة للدراسة في المدارس، وبنوع من الاحتراز الصحي هو الأفضل، لنفسية وصحة وعقلية الطفل، والشاب، لئلا نساعد على جعله سمكة زينة في حوض مزيف، ونحصر تطلعاته بتغذية مصنعة، يزدرد منها دون وعي لدرجة الانفجار.

وزارة التعليم لها الحق في التخطيط، واتخاذ القرارات، ولكن السطحية، وتغيير القرارات، بشكل عشوائي، يزيد من تقطع حبال التربية، والتعليم لدى الأطفال المساكين، وهم يظهرون وجوههم للشاشات، ويخفون بقية أجسادهم غير المهندمة، منعا للضحك والاستهزاء، والانتظار لمساعدة من أم أو عاملة منزلية أو أي شخص يمر بجوارهم، والفهم يظل ناقصا، والروح تذبل بالتلفيق، وتمرير الساعة الدراسية، قبل تحويل الشاشة، للعبة جديدة، ووعي مختلف بنفسية تماثل الروبوط وتنسى إنسانيتها.

المدارس حياة، وبناء نفسي، وعقلي، وجسدي، ومنطقي، ومسار تجارب حياتية إنسانية، لا يجب علينا فرضها أو محوها، وبمجرد زيادة الوعي، والتنظيم، والتأهيل للمدارس والطلبة والمعلمين، يمكننا تخطي أي جائحة، بكل تحوراتها، وبما نمتلك من عناصر الإنسانية الحقة.

shaheralnahari@