علي المطوع

جيهان... حرم السادات وأرملة السلام

الاحد - 11 يوليو 2021

Sun - 11 Jul 2021

غيب الموت يوم الجمعة الماضي السيدة جيهان السادات، عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاما، وقد نعتها الرئاسة المصرية في بيان رسمي، وأقيمت لها جنازة عسكرية تليق بها وبأدوارها الكبيرة التي لعبتها كقرينة للرئيس المصري الراحل أنور السادات.

في تاريخ مصر الحديث لم تلعب زوجة رئيس مصري أدوارا هامة كالتي فعلتها جيهان السادات، تلك المرأة الاستثنائية في حضورها وحياتها ونشاطاتها المختلفة.

ولدت جيهان رؤوف عام 1933 لأب مصري وأم إنجليزية، وهذا شكل علامة فارقة في شخصيتها، بدءا بنبوغها السياسي المبكر المتمثل في قبولها الزواج من السادات وخاصة أن ظروفه الحياتية في تلك الفترة كانت في منتهى الصعوبة، ولكن الأيام أثبتت أن رهانها على السادات كان صائبا، إضافة إلى ذلك إرثها للثقافة الإنجليزية ودهاء أهلها، وقدرتها على التعاطي مع الأحداث لاحقا كزوجة للسادات، وإن كان البعض يراها أكثر من ذلك كونها كانت صانعة لكثير من القرارات أو شريكة فيها.

اقترنت جيهان بالسادات وميزان العمر والتجربة يميلان نحوه كونه الأكبر بحوالي خمسة عشر عاما، إلا أن صلابتها وبعد نظرها وطموحها السياسي كل ذلك جعل منها القرينة المتزنة والملتزمة التي دفعت بزوجها إلى سلم السلطة والجاه والشهرة بعد أن كان منبوذا طريدا هاربا من السجن على ذمة بعض القضايا السياسية الحساسة آنذاك.

قصة زواجها بالسادات وما تلا ذلك من أحداث، يعكس حنكة السادات وبعد نظره وطموحاته السياسية المبكرة، والتي بدأها باقترانه بهذه السيدة الهجين؛ فهي نصف إنجليزية عن طريق أمها جلاديس تشارلز كوتريل، ومصرية بالكامل من ناحية والدها الطبيب المصري صفوت رؤوف، وهذا أكسبها شيئا من دهاء الإنجليز الذين شكلوا العالم وأعادوا رسم خرائطه وفق مصالحهم الاستعمارية، والنصف الآخر من هذا الهجين هو المصري الصميم من طرف والدها وهو الذي عنونت به هويتها المصرية التي تشرعن لها الاقتران بالسادات الرئيس المصري المنتظر.

تابعت في فترات متباعدة كثيرا من حوارات هذه المرأة الاستثنائية وكانت في كل مرة تحاول التنصل من تهم التأثير في قرارات زوجها الراحل أنور السادات، وكانت تتظاهر بهامشية حضورها في المشهد السياسي عندما يتعلق الأمر بقرارات مفصلية اتخذها السادات وهو في سدة الحكم، والنقل والعقل يثبتان أن هذه السيدة لم يكن حضورها مقصورا على الجانب البروتوكولي الذي يقتضيه الحال كقرينة رئيس، بل كان أبعد من ذلك بكثير؛ فطموحها السياسي وقبل ذلك تكوينها المعرفي والثقافي كل ذلك يجعل منها عاملا مؤثرا شكل الكثير من القرارات وأثر فيها.

لا أحد ينكر أن السادات كان زعيما استثنائيا وكان سياسيا بارعا يتعاطى السياسة وفق قوانينها الأصلية والأصيلة، ولعل تغلبه على ما كان يعرف بمراكز القوى في بداية توليه حكم مصر يؤكد أن هذا الرئيس كان استثنائيا في حضوره وقراراته ووعيه بظروف الداخل المصري الذي درسه وعرف أبعاده وأطره ومناطقه الحساسة، والتي خولته فيما بعد الانفراد بالقرار السياسي في هذا البلد، ولا يستطيع أي قارئ حصيف للتاريخ أن يتجاهل دور أرملته في صنع كثير من قناعاته، والتي تحولت فيما بعد إلى مشاريع سياسية كبيرة ما زالت المنطقة تعيش تحت تأثير وقعها وإيقاعها حتى اليوم، ولذلك فإن اختزال واختصار دور السيدة جيهان السادات كسيدة أولى لمصر في الفترة ما بين 1970-1981 في قوانين للأحوال الشخصية وجمعيات تعاونية ونشاطات أسرية هو تجاهل كبير للواقع السياسي في مصر، وقفز على كثير من الحقائق وتسطيح لكثير من المفاهيم الإنسانية والسياسية، والشواهد التاريخية، التي تؤكد أن امرأة بذكاء ودهاء جيهان السادات كان لابد أن يكون لها أدوار كبيرة أثرت وأثرت في تلك المرحلة وما زالت تؤثر حتى اليوم؛ لتبقى أبواب الأسئلة مشرعة ومشروعة تنتظر إجابات الباحثين المهنيين لدراسة أدوار تلك السيدة في تلك الأحداث المفصلية، والتي صنعت الكثير من المفارقات والقرارات؛ لعل أهمها زيارة السادات التاريخية لإسرائيل وما تلاها من تفاهمات ومباحثات توجتها إسرائيل باتفاق كامب ديفيد للسلام، الذي كان بردا وسلاما عليها في حين أنه كان أحد الأسباب التي أسهمت في طي صفحة السادات كرئيس وإنسان، صنع السلام ومات من أجله، كما تنبأ وتمنى في مراحل سابقة من حياته!.

alaseery2@