محمد النفاعي

الاتعاظ من الموظف الشظاظ

السبت - 29 مايو 2021

Sat - 29 May 2021

قال أحد الشعراء النبطيين:

قولوا لرعيان الغنم لا تنامون

أشوف بالمرعى مواطئ ذيابه

قولوا لهم خذوا الحذر لا تغفلون

كم غافل أصبح حلاله نهابة

هذه الأبيات وباقي القصيدة فيها تحذير من الخطر الذي يحوم حولنا ولا ننتبه له بسبب الغفلة والثقة الزائدة، وكذلك فيها حث على تحمل مسؤولية من نقوم على رعايته وشؤونه.

ما يهمنا هنا هو هل الخطر يقتصر على الذئاب وما جاء في حكمها!

وما علاقة فكرة هذه القصيدة بالمجتمع الوظيفي وبيئة العمل؟

أرى أنه في بيئة العمل وداخل المجتمع الوظيفي يأتينا الخطر مما أسميتهم «الشظاظين»، حيث يعيش بيننا القلة القليلة ممن هم على شاكلة «شظاظ»، شظاظ هذا من أشهر الصعاليك الذين ظهروا في عصر ما قبل الإسلام واستمروا إلى بداية الدولة الأموية. والصعاليك فئات منهم فئة احترفت قطع طرق القوافل ما بين الجزيرة العربية والعراق والشام، من أجل مساعدة الفقراء من أقوامهم، ومنهم شظاظ الضبي ومالك بن الريب وغويث بن كعب.

هم أفراد لم يلتزموا بالمعاهدات والاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى وعاشوا أكثر عمرهم متمردين على القبيلة وأعرافها، كانت أهدافهم كما يبدو جميلة وسامية في ظاهرها ولكنهم قطعا أخطؤوا في الوسيلة والكيفية. بالمقابل في المجتمع الوظيفي الشظاظون الجدد هم الموظفون المعروفون بسارقي المجهود الشخصي أو سارقي الفضل Credit Hunters، أخطؤوا الهدف والوسيلة معا.

تقول كارين ديلون Karen Dillion ، مؤلفة دليل هارفارد بزنس ريفيو لسياسة المكاتب HBR Guide to Office Politics: «نريد أن نصدق أن عملنا يتحدث عن نفسه، لكن في العالم الحقيقي من المهم أن يحصل الشخص على الفضل.

يذهب الفضل إلى حساب القيمة التي تجلبها للمؤسسة ويلعب دورا في قرارات الترقية والزيادات والتعيينات.

«إذن الشظاظي شخص ينسب إلى نفسه ما ليس لها من الفضل، ويكون قد كذب على نفسه وعلى الناس من حوله. مهما يكن السبب، الكذب صفة مذمومة نهانا عنها ديننا الحنيف ويخالف المروءة، لما يترتب عليه من آثار سلبية على العموم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا».

الصور والمواقف الشظاظية في بيئة العمل متنوعة، هنا أتذكر واقعة حدثت لي شخصيا والتي ليس لها تفسير الآن إلا أن من قام بها كان موظفا شظاظيا بل كما قالت العرب «ألص من شظاظ».

ففي بداية حياتي العملية، بادرت باختبار تقنية جديدة في حينها، جازفت بتطبيق الفكرة وبذلت في سبيلها المال والوقت ونجحت ولله الحمد. ولكن عند تدشينها تصدر المدير العام المنصة ونسب فضل الفكرة له، بل إنه حتى لم يدعني للمناسبة ولم يذكر اسمي للحاضرين.

وذكر لي أحد الزملاء أن رئيسه المباشر استمرأ نسب عمله وأفكاره لنفسه لدرجة أنه كان يوبخه إن تواصل مع أحد غيره ولو بالبريد الالكتروني، حتى انتهى بالموظف للاستقالة بعد أن رأى بأم عينيه أن جهوده تذهب أدراج الرياح.

من المؤسف حقا أن سمة سرقة الفضل هي سمة ابتلي بها قلة ونقلوها معهم إلى بيئة العمل لتحقيق مكاسب شخصية حسب مبرراتهم، بصرف النظر عن المصلحة العامة أو الخوف من الأضرار الناجمة عن ذلك كما فعل الفتى شظاظ من قبل.

الواقع يحتم علينا التعامل الاحترافي مع هؤلاء القلة القليلة من وقت لآخر.

في النهاية نتذكر قوله تعالى (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم). (آل عمران - 188)

msnabq@