شاهر النهاري

مقال عاجل بديل

الاثنين - 17 مايو 2021

Mon - 17 May 2021

لا صوت يعلو على أصوات الكوارث، وكم يمر علينا نحن الكتاب من ظروف نكتب فيها مقالاتنا مقدما لفكرة نعتقد بأهميتها، أو مناسبة مرتقبة، نتمنى أن نشارك فيها مشاعرنا مع القراء.

ومناسبة عيد الفطر الحالي، كانت مرتقبة محببة عندي، تجتمع فيها الذكريات الحميمة، بالأمنيات القادمة، وكنت قد كتبت لها مقالا مهيلا بالبن، ومطرزا بالمعمول وحلوى الشوكولاته، تنتثر حول جنبة عريكة بالسمن والعسل، وفرحة تكمل عيديات الأطفال، وبسمات سعادة تحاول الظهور من تحت الكمامة، وتضم وجوه الأحبة وأعين الأصدقاء، دون مقولة «السلام نظر»، ومصافحات بقبضة اليد، تبعا لأحكام فرضتها الجائحة في مخيلاتنا وأنفسنا.

ولكن الكارثة، التي حصلت في حي الشيخ جراح بالقدس، وتطاولت لقطاع غزة، ثم لم تلبث أن أحرقت مدن إسرائيل والضفة، كارثة إنسانية جعلت العالم يتوقف أمام ما يحدث، وجعلتني أتسمر أمام الشاشات أبحث عن عيدي، الذي تبخر، وفرحتي المحترقة، وأبراج «نافوخي»، التي تساقطت، كما أبراج غزة، دون تنبيه بموعد تفجير، لأدرك أن العيد لن يتمكن من الحضور، حتى وإن رأينا الهلال بأنفسنا، فانتفت خانة المقال المعد مسبقا بضراوة الحرائق والتفجيرات.

الكارثة بقدم القضية الفلسطينية، وتكرارها ينكأ الجروح، فالعداء الإسرائيلي يتكرر، بافتعال المشاكل لاكتشاف قدر ما تمتلكه حماس والفصائل من قوات وصواريخ، واستثارتها لتفريغ مخزونها، كي تطمئن إسرائيل فترة من الزمن، قبل العودة مجددا لاستفزازهم.

صواريخ، يصل قليل منها لمدن إسرائيل، ويتم اعتراض الأغلبية بالقبة الحديدية، ولكنها فرصة لتدمير البنية التحتية لغزة، ومنصات إطلاق الصواريخ، والأبراج ومقار السلطة والشرطة.

سياسة إسرائيلية خبيثة نجحت فيها مرات عديدة برعاية أمريكا التي تعطيها «الحق الصريح في الدفاع عن النفس»!

وعلى الجانب الآخر يهيج الشارع المقدسي، وتخرج المظاهرات إلى الشوارع، وتدمر المباني وتدك قدسية المسجد الأقصى، بثقة أن الدول الداعمة لن تتأخر عن المبادرة لترميم القدس، وتلك لعبة كبيرة كثيرة المستفيدين، وتعطي الإسرائيليين الفرصة لتجريف منازل الفلسطينيين القديمة، وزرع المستوطنين بدلا عنهم، والعالم يتفرج.

الشعوب العربية، تباينت مواقفها وأدوارها، وكثر الكلام والتنظير والتسويف، وتعاظم شأن تيار التطبيع، الذي يناقض معاني الإنسانية والعدالة.

مواقع التواصل تدق الإسفين وتزيد الطين بللا، بكيل الشتائم والتهم وإعادة تصنيف الشعوب العربية، فهذا شعب خائن يبيع الأرض، وهذا شعب مطبع لا كرامة له، وهذا شعب صامت صمت الشياطين، وهذا مستفيد، وهذا عميل، وهذا سبب الكارثة!

الوعي العربي مصاب بالفصام، ومن يتحدث عن الكارثة وأسبابها الحقيقية، وأصول التعامل مع أطرافها الخارجية بالعقل والقانون الدولي، يصبح شاذا منبوذ الرؤية في نظر الشعوب التي ملت انتظار النصر.

تركيا والإخوان يظلون يرقصون رقصة استمطار الفوضى، وتبيان تأثيرهم الخفي.

الانتهاكات الإسرائيلية تستمر وتتعاظم في دولة تدعي الديمقراطية وهي عنصرية حتى النخاع، في تعاملها مع عرب فلسطين بالفصل العنصري.

إيران تغطي أصابعها الملوثة بالدماء، وتظل تنتظر حصد فوائد الكارثة بقرب الفرج عن مفاعلها، وتثبيت وجود أذرعها وصواريخها وميليشياتها.

فعلا، العيد هذا العام مختلف، والمقال، الذي يمتلك بعض معالم الفرحة، لا مكان له اليوم.

مقال يفوت، وربما نعود له في فترة فرح مسروقة وبهجة لم نعد نبلغها في شرق أوسط تعمه الفوضى وتكتبه الخيانات والفساد والانسلاخ من كل القيم.

shaheralnahari@