بندر الزهراني

وزارة التعليم.. عرّب وليدك الجامعي!

الاحد - 09 مايو 2021

Sun - 09 May 2021

في الحديث المتلفز لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- تحدث سموه عن أهمية القيادة الشغوفة بالعمل، وذكر ضمن حديثه الشيق والمثير للإعجاب ما معناه أن 80% من قيادات الصف الأول في الوزارات عند انطلاق الرؤية لم يكونوا على درجة عالية من الجاهزية المطلوبة لإنجاح أي خطة تنموية شاملة، وكان الخيار الأول أمام سموه هو البحث عن قيادات حقيقية تكون ضمن النطاق الأخضر كفاءة وحيوية ومرونة وتعلقا بالعمل وحب الإنجاز.

وعلى هذا الأساس بدأ سموه في إعادة تشكيل القيادات الإدارية في الوزارات والهيئات الحكومية بما يخدم تحقيق أهداف الرؤية، ولعل هذا الأمر بجانب الشخصية القيادية الفذة لسموه ساعده كثيرا على تجاوز العمل الحكومي البيروقراطي، وأعطاه وصفة النجاح لتغيير دور الوزارات النمطي وتحويله من عائق للتنمية السريعة والتطور المستمر إلى مؤثر إيجابي وفعال في تحقيق الآمال الوطنية الكبرى والطموحات المستقبلية العظمى.

ولو نظرنا بشيء من العمق والتركيز قليلا، وبحثنا في مستوى بعض الإدارات الجامعية المحلية فإننا سنجدها تماما كتلك التي وصفها سمو ولي العهد في حديثه، إدارات تقليدية وروتينية، ليس بينها وبين الإبداع والابتكار صلات وثيقة، وأغلبها إدارات تصريف أعمال، ودائما ما تكون متلوحة بشعار (لوائح من قبلنا لوائح لنا) أو محكومة بما يعتريها من أعراض (النيوفوبيا) أو مندفعة عشوائيا إلى لا شيء، وقد تتظاهر مثل هذه الإدارات بمواكبة التطور أو تحاول الانخراط شكلا في مبادرات تخدم أهداف الرؤية، إلا أنها لا تنجح في تحقيق ما يمكن أن تسميه مجازا بالإنجاز.

وقد تكون أسباب هذه الحالات مرتبطة بشخوص بعينها تتربع على قمة الهرم الإداري للمؤسسة التعليمية أو بمجموعة من الأفراد تشترك في المصالح والولاءات الخاصة فيما بينها، وهذا ما ينعكس سلبا على الأداء العام، وعلى التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الميداني، وبالتالي تكون سببا مباشرا في تفاقم مشاكل كبيرة على مستوى الاقتصاد والاستقرار المجتمعي، منها على سبيل المثال مشكلة البطالة وتزايد معدلاتها.

سأعطيكم مثالا يوضح ما أرمي إليه من معنى، وقد سبق وأن عرضته في أكثر من مقال، ولا بأس من إعادته وتكراره، فلعل في الإعادة إفادة أو كما يقال التكرار يعلم (الشطار): في إحدى الجامعات الناشئة والمستنسخة برامجها من جامعة محلية مجاورة، اعتمد مجلسها اللغة الصينية لغة ثانية للتدريس والبحث العلمي، ليست لغة اختيارية لتعلمها وإتقانها وإنما اللغة الثانية بعد اللغة العربية في التدريس، بمعنى التعلم بها وليس مجرد تعليمها، وهذا يستلزم أن تكون الجامعة صينية الهوى والطابع أو على الأقل محاطة بسور من الصينيين حتى تستطيع إنجاز هذا القرار شبه المستحيل!

وربما هذا القرار جاء لأن إدارة الجامعة كانت كغيرها من الإدارات السطحية تأمل أن تأتي بأي شيء يعزز من حضورها الشكلي أمام المسؤولين، فظنت في قرارها توافقا وانسجاما شكليا مع توجه الدولة نحو الصين كدولة عظمى وذات ثقل سياسي وحضور اقتصادي، وكان المهم عند هذه الإدارة أن يبدو قرارها قرارا متناغما مع ذلك التوجه بغض النظر عن مدى إمكانية تطبيقه أو توفر فرص حقيقية لنجاحه، مع العلم أن الدولة عادة لا تدعو لمثل هذه القرارات الخبط عشواء، وهي المعروف عنها الحكمة وبعد النظر، ولا أظن حتى أكثر المتفائلين من الصينيين كان يتوقع مثل هذا القرار!

هذا المثال البسيط يبين البون الشائع بين ما يفكر فيه سمو ولي العهد ويخطط له وبين ما تتخبط فيه مثل هذه الإدارات الجامعية، أي نعم سمو ولي العهد بنظرته الثاقبة وإلهامه الفطري وحدسه السياسي والاقتصادي المميز يدرك أهمية الصين كبلد عملاق وشريك استراتيجي مهم على مختلف الصعد، إلا أنه يعلم أن الطريق إليها ثقافيا وعلميا لا يتأتى هكذا فجأة، ولا يتحقق بهكذا قرارات، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على هذه النوعية من الإدارات، ولعل في قرار الوزارة الخاص بتدريس اللغة الصينية في مراحل التعليم العام كمقرر اختياري خطوة أولى صحيحة نحو فتح نوافذ حقيقية على الثقافة الصينية.

كنا سنتقبل قرار التدريس باللغة الصينية في هذه الجامعة أو في غيرها لو كان رئيس الجامعة نفسه ومعه ثلة من أساتذتها مثقفين وغارقين في الأدب الصيني العريق حد الثمالة، أو كانوا كمجتمع أكاديمي يتعلمون الصينية منذ عقود، أو كان الصينيون أنفسهم يقطعون المسافات ويعبرون البحار والمحيطات ويخترقون الأجواء والشاشات تعليما ونشرا لثقافاتهم ولغاتهم المتعددة، أما وأن هذا لم يحدث ولن يحدث على الأقل في المستقبل القريب، فإن الأولى مراجعة أداء الإدارات الجامعية ووضع حد لقراراتها المتسرعة وغير المنطقية وترشيد عملها بما يسهم في إنجاح دورها الحقيقي لا (البروباغندي).

ولو أننا ركزنا على لغتنا العربية الجميلة، وأخذنا بنصيحة سمو الأمير خالد الفيصل الأخيرة «عرّب وليدك» وتخطفنا من كل الثقافات الأجنبية حسب الحاجة والذائقة الرفيعة لكان خيرا لنا، ولو توقفت بعض الإدارات الجامعية عن الاندفاعات غير المحسوبة أو تم استبعادها عن المشهد الأكاديمي بإدارات شغوفة ومحبة للعمل لاستكثرنا من الخير وما مسنا من لغوب!