علي المطوع

المنظومات الإدارية بين التأصيل والتفصيل

الاحد - 04 أبريل 2021

Sun - 04 Apr 2021

صنفان مؤذيان من الموظفين يواجهما صانع القرار الإداري، كون حضورهما يشكل في المشهد خطرا على المنظومة الإدارية وأدائها، الأول هو ذلك الغبي الناقم، والثاني هو الذكي المخاتل المخادع، كلاهما له أجندته ومصالحه ومنطلقاته، فالأول مأزوم في داخله من تفوق أقرانه عليه، مما يورثه إحساسا دائما بالغبن، يصحبه شعور خاص بالكمال المزيف، كونه يرى نفسه تمتاز بمزايا في منتهى الإبداع والجدارة، والصنف الثاني يزعجه ويؤرقه أي حراك إداري جديد قد يسلبه حضوره ومصالحه التي بناها على حساب المصلحة العامة وشواهدها وشهودها.

يتميز الصنف الأول بأنه صاحب مظلومية يتاجر بها في كل مكان، فهو من وجهة نظره يظل الأفضل والأقدر والأحسن، لكن الفاسدين على حد زعمه يمنعونه من تحقيق رؤاه وأحلامه، قد يتميز بحضور فعلي على خارطة دفاتر الحضور والانصراف، هذا الحضور يراه سبقا يبز فيه أقرانه ومجايليه، ويرى فيه مزية وميزة تكسبه الأفضلية على الدوام في أوقات الدوام، ويرى أن على المديرين مراعاة فوارق التوقيت في الحضور والانصراف!، نعم تظل الانضباطية معيارا مهما تقاس به إنتاجية الموظف لكنها ليست كل شيء خاصة عند هؤلاء البسطاء وخاصة عندما يشعرهم بعض رؤسائهم من باب المجاملة والمحاباة بأنهم الأقدر والأجدر في هذه البيئات الوظيفية.

ومن مساوئ هذا الصنف قدرته على نقل الأحداث مجتزأة إلى صاحب القرار في قالب وشائي تشاؤمي مغرض من خلال إغراق المسؤول بجزئيات شكلية وإن صحت فإنها قد لا تكون بمفاهيم الإنتاجية الفاعلة، أولوية قصوى يجب إدراكها وذكرها وإنجازها.

أما الصنف الثاني وهو المخاتل، فيتميز بقدرة كبيرة على المواربة والمناورة، فتراه يأخذه صانع القرار إلى زوايا حادة في المنظومة والعمل، ويبدأ بتسليط الضوء عليها، في حين أن المناطق المهمة تظل دائما بعيدة أو مبعدة عن مجال الرؤية للمسؤول كونها لا تذكر ولا تستعرض ولا يشار إليها لا عرضا ولا اعتراضا، والسبب يكمن في دهاء هذا الصنف من الموظفين الذين يستهدفون المسؤول بالعديد من التفاصيل الفارغة ويشغلونه بها ويحيطونه بكم وافر من الإشكالات والشكليات التي تجعل هذا المسؤول يقتنع أن المشكلة تكمن هنا وليس هناك، من مميزات هؤلاء القوم مرونتهم العالية وانعطافاتهم السريعة وجيوبهم المتعددة وجلابيبهم المتسعة في المكان، كل هذا يعطيهم الوقت والحصانة والحصافة لإعادة التشكل والتموضع وفق ما يطلبه الظرف الجديد ويقتضيه.

وعليه فإن المدير الحاذق هو من يوازن بين الأمور ويستطيع أن يكتشف ويكشف مكامن الضعف والوهن في منظومته، من خلال أساليب القياس المختلفة، والتعرف على بؤر الخلل من خلال تأصيل شراكة إدارية مع أصحاب الرؤى والمفاهيم تقوم على الأخذ بكل وجهات النظر وتمحيصها وفق مبادئ ذلك المرفق الخدمي وأهدافه ورسالته ورؤيته التي تتضمن وتضمن ما يفترض منه القيام به تجاه الوطن والمواطن.

إن التأصيل في العمل الإداري يبدأ بتحديد الأهداف الاستراتيجية للمرفق، والعمل على تحقيقها وفق أطر زمنية محددة وملزمة للجميع بإنجازها، تضمن الانتقال من قصة نجاح إلى أخرى، ومن تحد جديد إلى آخر، أما الانغماس في التفاصيل فهو أشبه ما يكون بقطار سريع خرج عن مساره، والنتيجة توقف اضطراري في منتصف الرحلة، وهنا تبدأ رحلة التفاصيل التي تستنزف الجميع وتجعل المنظومة الإدارية في أحسن أحوالها أسيرة للأزمات ومفاهيمها الملغومة والمغلوطة.

alaseery2@