محمد الأحمدي

حتى لا تبيع الجامعة تخصصاتها

الثلاثاء - 30 مارس 2021

Tue - 30 Mar 2021

بعد أن تحول العالم من العصر الزراعي الذي تساوت فيه الأيدي العاملة إلى العصر الصناعي القائم على التوسع الاقتصادي بدأت العلاقة بين صناع السياسة الذين يعتقدون أن التركيز على ضمان نجاح الاقتصاد يأتي مما يكسبه التعليم للأفراد من مهارات، وبين الاقتصاديين الذين يمثلون سوق العمل والاهتمام بالمهارة والإنتاجية.

وعندئذ، تقمص صناع السياسة التعليمية الرؤية التي تعتقد أن الاستثمار في الرأسمال البشري، وتنمية المهارات التي تواكب العصر، وجودة اليد العاملة التي تدربت بمراكز التعليم العالي سيرفع من زيادة الطلب على مخرجاتها.

وبناء على هذه النظرية ارتبط التعليم عبر ما يسمى باقتصاديات المعرفة التي تقوم على مبدأ «النجاح في التعليم يحقق الحياة المعيشية الكريمة للفرد والمجتمع». ومن خلاله تتحسن الكفاءة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية للمجتمعات على حد سواء. وهذا ما ينشده كل مجتمع.

ولكن رغم هذه النظرة، نشأت بعض المشكلات في المجتمعات الرأسمالية الغربية التي أخلت بالتوازن بين التعليم وسوق العمل. فالتوسع في التعليم على اختلاف مؤهلات وقدرات خريجيه لم يصاحبه توسع في سوق العمل بطريقة موازية لذلك التوسع التعليمي. وهذا الخلل أدى إلى رفع مستوى البطالة بين الخريجين عند أخذه بمنظور نظرية «العرض والطلب».

وهنا وجدت الجامعات نفسها أمام ضغط مجتمعي يتمثل في عدم مواكبتها لمتطلبات سوق العمل، وخيبة أمل بعض من علق آماله بالدرجة الجامعية للحصول على الوظيفة في سوق ممتلئ بالأفراد المؤهلين وغيرهم. وباتت أمام جدل حاد إما اتباع متطلبات سوق العمل أو التمسك بخططها والتشكيك في القول بعدم ملاءمة خريجيها لمتطلبات الحياة الوظيفية.

وهذا الشك أنشأ أسئلة متعددة مثل: «كيف يتم الحكم على مدى مناسبة مؤهلات الموظف وقدراته للوظيفة التي يشغلها في سوق العمل؟ أو «ماذا إذا كانت مهارات الخريجين غير مستغلة من سوق العمل بشكل جيد؟».

وقد أجاب عن هذين السؤالين هيو لودر أستاذ التربية، والمسؤول عن الذكاء الاصطناعي بجامعة باث، وزميله كين مايهيو أستاذ اقتصاديات التعليم بجامعة أكسفورد من خلال افتراضين.

الأول الاعتماد على الطرق الإحصائية في تقييم الوظائف من وجهة نظر العاملين، وأرباب المؤسسات. وفي هذا السيناريو تحديات كثيرة تشمل عدم وضوح الأسئلة للمستجيبين أو صعوبة الإجابة عنها بدقة وموثوقية عالية تقنع متخذ القرار الجامعي بتعديل الخطط التعليمية.

والسيناريو الآخر هو الطريقة التجريبية التي تقارن بين الموظفين ذوي المؤهلات العالية مع قدراتهم أو مع بقية المؤهلات الدنيا الذين يشغلون ذات المهنة. وحتى في هذا السيناريو تتأثر نتيجته بشكل مباشر بالفرد، وطموحاته، وخبراته، ومؤهلاته، وعمره. فضلا عن أن غالبية وظائف سوق العمل تعمد على المهارات الإنتاجية الروتينية التي قد تتحقق بالتدريب وليس التأهيل المعرفي الجامعي.

وفي ظل العولمة الاقتصادية، وأسواق العمل المفتوحة، والشركات عابرة القارات التي فتحت التنافس الوظيفي أصبح الأفراد يتنافسون عالميا على الوظيفة. وهذا أتاح لسوق العمل اللجوء للأفراد ذوي الأجور المتدنية أو هجرة الشركات لمواطن العمالة المدربة ذات الأجور المتدنية، والاكتفاء بذوي المهارة من خريجي الجامعات العريقة في المؤسسة الأم لمهام محددة.

وعند النظر في واقع أي سوق عمل عالمي فإن وظائفه تتجزأ إلى جزءين رئيسين: وظائف النخبة الموهوبة التي تتولى الوظائف العليا، والمؤهلين تأهيلا تعليميا عاليا في جامعات النخبة. وهنا تحصل عملية تبادلية تنافسية رأسمالية بين مؤسسات التعليم النخبوية وسوق العمل الذي قد تستحدثه بنفسها لتصنع سمعتها كأكسفورد التي ارتفعت سمعتها بعد تصنيع لقاح أسترازينيكا.

وهذا يدفع الفرد العادي لتحمل أعباء مالية عالية عند رغبته في إيصال أطفاله إلى هذه المؤسسات إن رغبوا في وظائف عليا مستقبلا.

والجزء الآخر الوظائف العامة التي لا تتطلب الكثير من المعرفة، بقدر التدريب على المهارات المتوافقة مع احتياجات السوق، التي قد تقدمها المؤسسات الأكاديمية المهنية في برامج تدريبية داعمة بالشراكة مع سوق العمل من أجل تطوير وتحسين أداء موظفيه أو برامج التدريب أثناء العمل للراغبين في الالتحاق المباشر بالوظيفة. وهذا يتحقق بملاءمة البرامج التعليمية مع احتياجات سوق العمل. ومن خلال معادلة التوازن بين ما تجيده الجامعات من معرفة، وما يستفيد منه المجتمع في الحياة العامة تتحقق فاعلية التكامل بين المعرفة وتطبيقاتها العملية سواء للمؤسسة أو المجتمع.

يتبع..

alahmadim2010@