أحمد الهلالي

بنية الأمثال الشعبية الحوارية!

الثلاثاء - 23 مارس 2021

Tue - 23 Mar 2021

تختلف بنية المثل الشعبي، فهناك أمثال ذات بنية خبرية مركزة، وأمثال ذات بنية حوارية قصيرة، وأمثال سردية طويلة، وهذه البنية تأتي استجابة لمتطلبات التعبير والمقام، فالأمثال ذات البنية الخبرية مثل (الأعور في ديرة العُمي فاكهة) تأتي حاسمة، ولا تستدعي تفكيرا عميقا في إدراك غايتها، فهذا المثل يأتي كناية عن أن المتميز لم يكن تميزه لشيء في ذاته، بل بضعف من حوله، فكان (أفضل الموجود) ولا يخفى قصده إلى التقليل من شأن المزعوم تميزه، أما الأمثال السردية الطويلة فتأتي لحاجة أخرى، سأتوقف عندها في مقالة خاصة.

لفتتني جملة من الأمثال الشعبية الحوارية القصيرة، فهي مركبة من جملتين حواريتين غالبا تبدأ كل واحدة بالفعل (قال)، مثل : (قال: انفخ يا شريم، قال: ماشي برطم) كناية عن العجز عن القيام بأمر بسبب عدم وجود الإمكانات، فشريم هو الشخص مقطوع الشفة، فلا يستطيع ضم شفتيه للنفخ، فقد تسبب قطع الشفة العليا في عجزه عن النفخ، ما صنع المفارقة بين المأمول والواقع، وحين نتأمل حوارية المثل ندرك نزعة المتحدث إلى التمثيل، ودعوته المتلقي إلى إعمال عقله في قصة (شريم) ثم إعمال عقله مرة أخرى في الحدث الجديد الذي استدعى المثل.

ومن الأمثال الشهيرة أيضا (قال: رُدُّه، قال: لاقي مَن يردُّه)، حوار بين شخصيتين، الأولى تطلب إيقاف العازم على فعل أمر ما، والثانية ترد بما يوحي بعجزها عن إيقافه، وأنه سيجد عاقبة تجعله يندم، وسيصطدم بحاجز أقوى يمنعه من تنفيذ ما يريد، وهذه البنية الحوارية المفتوحة تأتي من نص سردي مضمر، تجعل المثل أقدر على الإيحاء والتحذير من العواقب، وتوحي أيضا باستشراف الخبير لعواقب الأمور، ومثله في قولهم المحرض على أهمية الحسم (قال: داوها تبرا، قال: اقطعها تبرا) فبعض الجروح لا يبرئها الدواء، وليس لها إلا البتر والاستئصال.

ومن عجائب أقوالهم الحوارية، الحديث الدارج شعبيا، (قال: وش يخفى يا رسول الله، قال: شيًا ما كان)، وبالبحث وجدت أنه ليس حديثا، وأغلب ظني أنهم لا يروونه بنية الحديث، لكنهم استدعوا له أحكم وأصدق شخصية لتأييد ما يرومون التعبير عنه، فهم يقصدون إلى أن أي أمر يحدث سيُعلم، ويضربون هذا المثل حين ينكر أحدهم قيامه بأمر ما، وهذا يشبه إلى حد ما قول زهير بن أبي سلمى (ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ/ وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ).

وعلى ما سبق، فإن بنية الأمثال الشعبية الحوارية تعطي التعبير طاقة أكثر من طاقة المثل ذي البنية الخبرية، لاتكائها على الحوارية المركبة التي ترتكز على التشويق أولا، ثم بشخصياتها وأحداثها القديمة والحديثة التي نستحضرها من خلال السردية المضمرة، التي تعمل في خلفية المشهد الحواري ضمن بنية المثل المفتوحة، وتمتزج بسردية أخرى حديثة تدور أحداثها الآن في الواقع، فيكون المثل أكثر تمثلا للواقع وأبلغ أثرا.

ahmad_helali@