ياسر عمر سندي

أمر الله شق القربة

الأربعاء - 17 مارس 2021

Wed - 17 Mar 2021

في الغالب عندما يطرأ على الإنسان أمر ما ويكون خارجا عن السيطرة يحدث ما يسمى بالصدمة النفسية إذا كان ذلك الطارئ على المستوى الشخصي، أو تتكون الأزمة المجتمعية إذا كان على المستوى الجمعي، مما ينجم عن ذلك ردات فعل موقفية تنعكس بوتيرة إما عالية أو منخفضة، بمعنى إعطاء ذلك الموقف الاهتمام أو اللامبالاة بالاقتراب أو الانسحاب وهذا بلا شك من الأمور العميقة في تركيبة النفس البشرية وتراكمات الثقافة المجتمعية، فيتصرف الفرد والمجموعة بسلوكيات الغرق في شبر من الماء، جراء الحيرة التي يقعون بها والتخبط الحاصل، فتحدث ربكة عارمة كالاضطراب وعدم الاستقرار للفرد وعلى مستوى القرية أو المدينة أو البلد، وربما يتعاظم القلق ويتفاقم وتصبح تلك الأزمة على مستوى العالم.

وفي نظري أن ذلك يرجع لسببين مهمين، الأول هو قلة الخبرة والثاني قلة التفكير، وكلاهما يؤديان إلى نفس النتيجة في الإخفاق وسوء التصرف تجاه ذلك الموقف.

هذه الديباجة الافتتاحية تعمدت من ورائها التفسير الإدراكي للشخصية الإنسانية تجاه المتغيرات والمستجدات الفجائية في الفهم الفردي والجمعي للطبيعة البشرية، إذ أكرمنا الله تعالى بنعمة العقل والتمييز بالاختيار وإعادة التفكير والاستعداد للقادم بوعي وثقافة وعلم ومعرفة، فاستغلال آلية التصور والتخيل العقلي واجترار ذاكرة الخبرات تشكل الدوافع الرئيسة لحماية النفس والمجتمع من المخاطر المستحدثة.

لست متشائما بطبعي ولله الحمد، ولكن لدي عدة تساؤلات ربما تستفز بعض العقليات - ماذا لو امتدت فترة جائحة كورونا وتطلبت الإجراءات الاحترازية أن يستمر الوضع بالتباعد والحيطة والحذر؟ ماذا لو تفاجأنا يوما بوباء عالمي مشابه لكورونا أو أي أمر طارئ على المستوى الاقتصادي أو السياسي محليا أو عالميا.. كيف سنتصرف؟

ربما يعلق البعض على هذه التساؤلات بالمثل الشعبي الدارج في دول الخليج «أمر الله شق القربة»، وهي جملة في رأيي لا تعني التسليم الإيماني بقدر ما تعكس التكاسل والتثاقل أمام إيجاد الحلول الناجعة للطارئ المفاجئ المتسبب في التعطيل والتأجيل لما لم نكن نتوقع حدوثه.

صحيح أن القدر بيد الله لكن التقدير بأيدينا نحن عبيد الله، وهذا التراخي والاستسلام الفردي والمجتمعي لم يعد يتواءم مع واقعنا الجديد ولا يليق أيضا بما صاغته الدولة رعاها الله للوصول إلى الرؤية المنشودة 2030، التي تصبو إليها وتستشرفها مستقبلا للجيل القادم، والتي تتطلب العمل الدؤوب والمتواصل لسد كافة الثغرات وتذليل جميع العقبات للنهوض بمجتمع حيوي قادر على فهم احتياجاته.

ما أرمي إليه أن الخبرة قد اكتملت لدينا محليا لأكثر من عام، ونحتاج إلى إفرازات من تلك العقول التي أسميها الكنوز المعرفية بتفعيل آلية العصف الذهني ووضع الخطط البديلة وصياغة منظومة فكرية متكاملة لمواجهة الأزمات والطوارئ والمفاجآت، وتشكيل تحالف معرفي تحت مظلة «الهيئة الوطنية العليا للمعرفة المستدامة» تضم أعضاء من وزارات التعليم والصحة والتخطيط وتقنية المعلومات والإعلام للمشاركة في رسم السياسات الاستراتيجية لخدمة المجتمع بتوليد الأفكار.

جائحة كورونا جاءت وكأنما تعطينا إنذارا للالتفات إلى كثير من المواضيع المعلقة والتركيز على عديد من الملفات المفتوحة التي تتطلب وضع الفرضيات الاستباقية، ورسم السيناريوهات المتوقعة وغير المتوقعة، فالوقت يمضي بتسارع مهيب وتسابق عجيب، وكما قيل قديما الحاجة أم الاختراع ولدينا ما يكفي من الحاجات لطرح المخترعات بالأفكار النيرة ووضع البدائل بخطط مدروسة (أ و ب و ج) ترسم وتصاغ بطريقة متعاقبة لرتق ومعالجة ذلك الشق، ولا يبقى لتلك القربة المتهالكة منفذ يتسرب منه الماء.

@Yos123Omar