محمد الأحمدي

صراع بين العرق والتمييز العنصري

الثلاثاء - 16 مارس 2021

Tue - 16 Mar 2021

ألهمني لهذا المقال حديث الأمير هاري وزوجته مع المذيعة أوبرا وينفري، الذي ضحى بمذيع صباح الخير يا بريطانيا بيرس مورغان. السيد بيرس سبق أن فقد وظيفته على غرار نشر صور مسيئة لسجناء عراقيين على أيدي جنود بريطانيين في 2004.

وحتى أبين لكم الفرق بين التمييز العنصري Race والعرق Ethnicity فإن من المفيد تناول ذلك في ظل المبادئ الفلسفية الغربية ونظرتها للإنسان. أخذ التمييز العنصري دورا بارزا في الفلسفة الوضعية التي عزلت القيم الإنسانية عن الإنسان ذاته، وجردته من هويته، ودينه وتأثيره أيا كان. أما التحويلية النقدية أو الجدلية «الديالكتيك» فقد صنعت من التناقضات معنى، وأعطت لعنصر الأقليات سلطة في التكتل، وتقديم رؤية متفق عليها بينهم، يجب أن تكون هي مناط الإصلاح للأنظمة التي تقع تحت مظلتها، وإلا تحرق الأرض من أجل تنفيذ تلك الرؤية الأيديولوجية من تلك الأقلية.

عموما، أعود معكم للفرق بين الكلمتين، وكيف تغلبت الأولى في المجتمعات الغربية المادية، وأصبحت اليوم تشكل قوى منظمة أيديولوجية يخشى مصادمتها صاحب القرار الغربي، ويتعامل معها بمبدأ البيضة والحجر.

في البداية تشير كلمة التمييز البشري Race إلى وحدة هيكلية قائمة على الاختلافات البيولوجية للإنسان. بمعنى أن هناك معايير مادية، ملموسة، قابلة للقياس من أجل تصنيف البشر لمجموعات. وعند التسليم بهذا المبدأ فإن الزمن كفيل باستحداث قواعد جديدة لتشكيل سمات بيولوجية مشتركة بين الناس، والاتفاق على جنس جديد غير الصفات البيولوجية الذكورية والأنثوية بناء على لون البشرة، أو شكل الأنف، أو العين إلخ. وفي ظل الرقمنة الجديدة ربما ينتج تمييز بشري جديد المهم أن يكون هناك تناغم، ووحدة تماثلية في هذا التمييز بيولوجيا.

وعند أخذ سياق المعاني الأخرى لكلمة Race في قواميس اللغة الإنجليزية فإنها تعني في أحد معانيها السباق. وهذا في حد ذاته يعطي دلالة على أن التمييز البيولوجي البشري قابل للتغير من زمن إلى آخر لاعتماده على مبدأ التنافس في السباق. ومن طبيعة المبادئ المادية التطور والتغير المستمر سواء بتحديث وسائل القياس والملاحظة أو تغير الأيديولوجية الفلسفية الحاضنة لذلك المبدأ.

وسبب تسميتي لهذا المصطلح بالتمييز العنصري اعتماده على الخصائص البيولوجية (العناصر البيولوجية)، والعمل على تصنيف البشر وفق لتلك المعايير مع اعتبار عزل الإنسان عن قيمه، ودينه، وعقيدته الاجتماعية، أو عاداته. ولهذا فقد شهد العالم أولى حالات تكافؤ النسب في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية عندما تأسس مكتب لتحديد خصائص الأزواج المناسبين لأعضاء قوات الأمن الخاصة النازية آنذاك بيولوجيا.

وفي الجانب الآخر تعود كلمة العرق Ethnicity إلى مجموعة من الناس يشتركون في عادات دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية، أو لغوية، أو وطنية. وبالتالي فإنه لا علاقة لها بالصفات البيولوجية التي يستخدمها التمييز البشري Race في تصنيف البشر. فالعرق يجمع بين الناس الذكور والإناث على حد سواء، ويلتزم المنتسبون لهذا العرق بممارسة بعض هذه المشتركات إن لم يكن جميعها. ولا يمكن أن يصف الناس عرقيا بناء على لون بشرتهم، وإنما ذلك مرتبط بالتمييز العنصري Race.

يشار إلى أن الفلسفات التي ظهرت كالوضعية المادية، أو البراجماتية، أو النقدية التحويلية أو الواقعية عملت إما على تغليب العرق وتقديسه، فمنحت لنفسها أفضيلة، أو أهملت العرق ولجأت لبديله التمييز البشري Race للتعامل مع الناس. على سبيل المثال الولايات المتحدة ذات التعددية العرقية التي يصعب التعامل معها عرقيا، ويسهل التعامل معها عنصريا في ظل أيديولوجية عقدية واحدة تذيب العرق، وتؤسس للتمييز العنصري الذي لا أراه هنا إلا انطلاقه للمفاضلة بين الأجناس إن أخذنا مبدأ التنافسية الشائعة في الفلسفات الغربية المادية من بعد عصر التنوير الأوروبي.

الخلاصة أن التمييز البشري عنصر متبدل وفق مبادئ الفلسفات الغربية ومتفق مع رؤيتها، والعرق يشكل في ذاته خطرا أيديولوجيا لقوة الرابطة بين أفراده. ولكن يشهد الواقع الحالي تحول مبدأ التمييز البشري القائم على الخصائص البيولوجية إلى عقيدة وهوية وثقافة ولغة مشتركة حولته إلى عرق، وهنا تتشكل الخطورة. ولذا تعامل الأنظمة الديمقراطية الغربية مع الأقليات اليوم من هذا المنطلق كما حصل في حركة حياة السود، وحركة تحرير المرأة في بريطانيا مؤخرا.

@alahmadim2010