ياسر عمر سندي

الثالوث الإيقاعي للحياة

الأربعاء - 03 مارس 2021

Wed - 03 Mar 2021

تحدثت في مقال سابق عن موضوع «ذات اليمين وذات الشمال» الذي تم نشره في هذه الصفحة بتاريخ الخميس 24 فبراير 2021، حيث تم تسليط الضوء من خلاله على آلية التوازن التي أوجدها الخالق عز وجل في المنظومة الكونية للحياة على كافة المخلوقات وهذه الآلية تتعزز وتقوى بتداخل عدة قوانين بشرية وغير بشرية بيئية وفلكية، تتفاعل بطريقة انضباطية ومعيارية متقنة، قال تعالى في محكم تنزيله «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون» سورة يس الآية 40، والتي تبرهن على مدى التناغم الكوني السائد ليتحقق بذلك إعجاز الإله الواحد.

عمليتا المد والجزر تحدث بسبب دوران الشمس والقمر فتتأثر المحيطات والبحار ارتفاعا وانخفاضا وتتأثر بالتالي المنظومة البشرية لأوقات معينة من الشهر من حيث الحالة النفسية والمتغيرات الجسدية والمحفزات العقلية، والتي توصل إليها علماء نفس الشخصية وباحثو المعرفة في بدايات العشرينات الميلادية، وطرحوا بعدها فكرة ثلاثية التأثر والتأثير الاندماجي وأطلقوا عليها مصطلح «الإيقاع الحيوي» Bio Rhythm.

كلمة «الإيقاع» تدل على التكرار والاستمرار، كما أن مصطلح «الحيوي» يشير إلى التلازم مع حياة الإنسان، ويعني ذلك أن ما يطرأ عليه من مدخلات ومخرجات تساعد في فهم النمط البشري والسلوك المرحلي والانعكاس الفعلي في فترة زمنية معينة، التي بالإمكان أن نعيها مسبقا وتفسيرها وتعليلها واستدراكها إذا ما كانت ردات الفعل غير مستحبة وقابلة للتغيير بمتابعتها ومراقبتها في كل وقت وبطريقة حسابية علمية بالأرقام والرسومات.

«فلييس» رأى أن جسد الإنسان يمر بدورة تقدر بـ 23 يوما و»هيرمان» ركز على النواحي النفسية والمشاعرية التي تحدث للفرد وقدرها بـ 28 يوما للدورة العاطفية و»تلشر» رأى أن النواحي العقلية كطريقة التفكير والإبداع والذكاء والمنطق لها دورة مدتها 33 يوما، ولكل مدة خط يشار له بمنحنيات تموجية ثلاثة متداخلة في رسم بياني.

الإيقاع الحيوي على جميع الدورات الجسدية والعاطفية والعقلية يبدأ حسابها بتاريخ يوم الولادة الحقيقي للشخص، حيث يبدأ من الصفر ثم يأخذ المنحنى أوجها في التصاعد حتى يصل إلى القمة ثم يبدأ في الهبوط بحسب عدد الأيام الخاصة الموضحة لكل دورة على حده فقد يستيقظ الإنسان يوما من نومه ليجد نفسه خارجا عن خدمة التفكير فاقدا لشهية التركيز والتصرف، وذلك مؤشر يدل على تدني الإيقاع العقلي وربما يصادف معه انخفاض في الجانب العاطفي من حيث التفاؤل والسعادة وحالة من التثاقل تتمكن من جسده تجعله لا يود الخروج من منزله.

تعتبر اليابان وسويسرا من الدول التي اعترفت بهذه النظرية وطبقتها نظريا وعمليا على الطيارين، وذلك بإصدار بطاقات لقياس مدى توافق هذه الإيقاعات الثلاثة مع النواحي المهنية للطيارين لسلامة المسافرين، وتم تطبيقها أيضا على لاعبي كرة القدم لتسجيل فترات الإبداع والتفوق والنشاط الذهني والبدني والنفسي وأوقات تدنيها لديهم، وفي روسيا وتحديدا العاملين في المناجم، تراقب الإدارة بمراقبة منحنيات الإيقاعات الحيوية الجسدية والنفسية لديهم، وتعطي إجازة للعامل في حال وجود انخفاض في المؤشر.

هذا الثالوث الحاصل بين العقل والجسد والمشاعر هو إيقاع متكرر يلازم الإنسان منذ ولادته حتى وفاته، وقد يجد الإنسان نفسه في مرحلة زمنية وأوقات معينة من الشهر يعتريه نشاط عال للاستيقاظ المبكر والعمل لساعات أطول نهارا وليلا، مع التفكير بطريقة إيجابية في مواضيع تؤدي لتغيير مجرى حياته على مستوى الأسرة أو العمل، ويصاحب ذلك أيضا قوة داخلية دافعة تساعده على الإنجاز.

النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من منغصات النفس والجسد والعقل بقوله «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن» وكذلك «العجز والكسل» لما تعكسه من شدة الضرر على البدن بسحب الطاقة وتشويش الفكر وتفريغ العقل، فالأساس هو فعل الخيرات بالهمة العالية، والحماس المرتفع والنفس المطمئنة، فسبحان من خلق الأنفس وسواها وألهمها فجورها وتقواها.

@Yos123Omar