بندر الزهراني

إشكالية تدريب الطالب الجامعي

السبت - 27 فبراير 2021

Sat - 27 Feb 2021

تواترت الأخبار بأن وزارة التعليم تعد خطة لإلزام طلاب الجامعات بالتدريب ستة أشهر قبل تخرجهم، وهذه الأخبار على الرغم من أنها أقوال عائمة ولم يخرج عن الوزارة تصورات مكتملة بعد، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات، ولعل الوزارة اضطلعت بدورها الرئيس في التقليل أو الحد من ظاهرة البطالة في صفوف المتخرجين، وتود أن تقوم بما تعتقد أنه سيسهم إيجابا في هذا الصدد، وهذا بلا شك شعور نبيل وإحساس وطني، ويمكن أن يُبنى عليه أشياء كثيرة إذا ما اقترن بالواقع وارتبط بعوامل التدريب الناجح.

لكن الواقع يخبرنا بأن المشاعر المجردة لا تكفي للبناء، وأن البناء عليها وحدها قد يقود إلى كوارث نفسية، ليس لشخص أو شخصين أو مجموعة من الأشخاص، بل لجيل بأكمله وربما لأجيال تلحقه، ولهذا السبب يجب علينا عند التخطيط الجاد أن نمازج ما بين العاطفة والعقل، فلا يطغى جانب على الآخر، ولا نميل عن المصلحة العامة كل الميل فنذرها كالمعلّقة!

سبق وأن قلنا في أكثر من مناسبة: إن تدريب الطلاب ليس من الواجبات الأساسية للجامعات، وإن الجامعات ليست مراكز تدريب لهم، وإن قيل عكس ذلك فهو أمر غير مقبول أبدا، لا بالمفهوم العام للتدريب ولا بكل المفاهيم التعليمية المعروفة، وقلنا وما زلنا نقول: إن الجامعات محاضن للفكر والفلسفة وليست مراكز للتدريب والتوظيف، وإن الخطط التي لا تفرّق بين مهام التعليم العالي والتدريب المهني خطط لا تساوي الحبر الذي تكتب به، حتى ولو زعموا أن المزاوجة بين الاثنين هي من باب المرونة والتناسق بينهما!

ولا تخلو الخطط الدراسية الحالية في الجامعات من مواد التدريب الميداني وأبحاث أو ندوات التخرج، ولكنها في أغلب الحالات تُقدم للطلاب بشكل لا يتوازى مع ما أنشئت لأجله، فتبدو للكثيرين على أنها فرص أو فسح لخروج الطالب من الحرم الجامعي والذهاب إلى أسواق ومقاهي المدينة لارتشاف أنواع القهوة والشاي، والأسباب في عدم نجاعة هذا من النوع من المواد الدراسية إذا ما عدنا إليها بشيء من التدقيق كثيرة، بعضها يرجع لجهات التدريب والبعض الآخر يتعلق بالجامعات نفسها.

ومن المعلوم أن طبيعة التدريب تتطلب جاهزية عالية لدى جهات التدريب وتنوعا في برامجها، وأكبر جهة للتدريب في المملكة هي المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، وهي مؤهلة تأهيلا عاليا، برامجيا وأدواتيا، وبالتالي يفترض أن تكون وجهة أولى لتدريب طلاب الجامعات، ولكن هذا لا يحدث، ربما لغياب التنسيق والمرونة بين المؤسسة والجامعات أو لتداخل الأدوار والمهام بينهما!

أكثر وجهات التدريب المعتمدة لدى الجامعات هي شركات حكومية أو خاصة، والتدريب في هذه الشركات يكون عادة بشكل ودي لا رسمي، ولذلك تأتي مخرجاتها سطحية وشكلية لا أكثر، ومن المفارقات العجيبة أن الجامعات تقدم دورات تدريبية بمردودات مالية لجهات خارجية ولا تقدمها لطلابها، وكثير من أعضاء هيئة التدريس تحولوا إلى مدربين عالميين في تخصصاتهم وأهملوا تدريس طلابهم!

وعلى الجامعات إن كانت جادة في مسألة التدريب؛ العودة إلى مهامها الأساسية والتركيز على التدريس الحقيقي والاهتمام بالبحث العلمي، لأنها إن فعلت استغنت عما يسمى بالتدريب الإلزامي، وحررت طلابها من أثقال سفر لا تسمن ولا تغني من جوع، وإن كان ولا بد من التدريب فليكن داخل أسوارها بالتعاون والتنسيق مع جهات التدريب الرسمية، على الأقل حتى لا يقال: باب النجار مخلوع!

drbmaz@