علي المطوع

الديمقراطية بين الهامبرجر والفطير المشلتت

الاحد - 21 فبراير 2021

Sun - 21 Feb 2021

جاء في فيلم السادات الذي أخرجه المخرج الكبير محمد خان، وقام ببطولته الفنان أحمد زكي العبارة الشهيرة التي قالها أحمد زكي وهو يجسد شخصية السادات وبعض المثقفين على مائدته، عندما سئل الرئيس أحد أساتذة الجامعة وهو يقطع له فطيرًا مشلتتًا عن الناس وأحوالهم فقال الأستاذ: الناس تريد مزيدا من الديمقراطية، فأجابه السادات «يعني أنت جالس مع رئيس الجمهورية ويأكلك بنفسه وتطلب مزيدا من الديمقراطية!».

هذه الحكاية إن صحت فهي تعكس مفهوم الديمقراطية الذي ساد في عصر السادات، وليس بالضرورة أن يكون مفهوم السادات نفسه، وربما تكون تلك العبارة محاولة من السادات لإبراز الفرق بينه وبين سلفه عبدالناصر في تعريف الديمقراطية، وأنها قبل أن تكون صوتا في صندوق هي شراكة إنسانية ومجتمعية وتبسط بين الحاكم والمحكوم، خاصة أن السادات أطلق في عصره العنان لبعض الحريات ودمر المعتقلات وانتفض على عهد عبدالناصر ورموزه ومفاهيمه، مغيرا ومبدلا في أساليب الحكم وفاتحا مساحة كبيرة من الحريات للحركات والجماعات لتصدح بما تقول ولتعلن عن مواقفها السياسية بجلاء ووضوح.

ثم ماذا بعد؟ في تلك الفترة أصبح الشارع المصري يغلي والحركات الطلابية في الجامعات تسعرها الشعارات والمتغيرات على الساحة، خاصة بعد كامب ديفيد، حيث إن الفرقاء اجتمعوا وأصبحوا متفقين على معارضة السادات ونهجه وهو ما دعا الأخير ليعلن في خطابه الأخير محذرا خصومه وبلهجة حازمة قائلا: إن للديمقراطية أنيابا!

السادات في الحالتين كان متباينا، ففي حالة المائدة كان يمارس شكلا من أشكال التسامح والتقرب إلى فئام من الشعب، وفي الثانية يتترس بالديمقراطية ويعلن من خلالها أن ردود أفعاله ستكون من خلال الديمقراطية وأنيابها القوية والصارمة، وهذا يجسد شيئا من دهاء السادات السياسي، وقدرته على التعاطي مع وسائل الإعلام وقدرته على صياغة العبارات التي تضفي عليه شيئا من الرمزية والقدرة والتمكن في مخاطبة شعبه والعالم في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر.

السادات كان يرى أن للديمقراطية في عهده أنيابا، وربما أراد أن يقول إنه وإن كان قد فتح الحريات في بداية مرحلته فإنه يستطيع أن يقننها مرة أخرى، وهذا يدعونا للتساؤل بعد هذه السنين: هل للديمقراطية أنياب أم إنها وآلياتها الناب الذي يستخدمه النافذون في العالم لتأصيل وجودهم وشرعنة تجاوزاتهم؟ وهل الديمقراطية في صورها المألوفة اليوم تستطيع تحقيق مبدأي العدل والمساواة معا؟

في الحالة الأمريكية بصفتها من تسود العالم مفهوما وممارسة، الديمقراطية هناك هي الأغلبية، والأغلبية لا تعني العدالة، بل هي شكل من أشكال المساواة الظالمة التي تفرضها اللعبة الانتخابية وأرقامها، والتي يجب على الجميع الانصياع لها كلعبة قبل أن تكون وسيلة لإقرار عدالة سياسية يخرج من رحمها كل العدالات الإنسانية والمجتمعية المنتظرة.وفي النسخة العربية الحديثة تظل الديمقراطية صندوقا أسود وحرية تعبير تفضي إلى تلك المهارات الإنشائية والمهاترات الكلامية التي نسمعها في البرلمانات المنتفخة، التي تتحول وتتحور إلى حرية كلام ترسخ مفهوم العرب الديمقراطيين الجدد وتعرفهم ظاهرة صوتية جديدة لا تنفع ولا تضر.

@alaseery2