برجس حمود البرجس

الاستثمار في المنشآت الصحافية

الثلاثاء - 16 فبراير 2021

Tue - 16 Feb 2021

بعيدا عن التعاطف (مع أو ضد) دعم الصحف الموجودة بالمملكة، ومن مبدأ «تطوير الأعمال»، أكتب في هذا المقال رأيي في دعم الصحف ربما بطريقة تختلف عن المفهوم المعروف أو المتوقع عند كثيرين، مع احترامي لجميع الآراء التي طرحت.

لا أختلف مع الآراء سواء من الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الإعلام سابقا والأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة وبعض الكتّاب الذين تناولوا هذا الموضوع عن طريق المقالات والتغريدات. نقطة الاتفاق بين جميع الآراء ألا يكون الدعم ماديا بدون مقابل أو مع تحويل الصحيفة إلى إلكترونية، والموضوع أبعد من ذلك بكثير.

دعونا ننظر للمعطيات المتعلقة بهذا الموضوع، أولا المملكة بحاجة إلى قطاع إعلامي كبير ومتمكن وداعم للرأي العام السعودي والمبادرات والرؤية في جميع المجالات، طبعا القطاع يشمل جميع القنوات المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية والتواصل الاجتماعي. ثانيا، القطاع الصحفي اليوم كبير وناضح من ناحية صناعة المحتوى والتفهم لبرامج الدولة والتوجهات وصناعة الأخبار والتقارير الاجتماعية والعامة وغيرها، ويملك قاعدة جماهيره كبيرة حتى إن البعض يراه مصدرا موثوقا - شبه رسمي- أو على الأقل هذا المفهوم عند كثيرين. ثالثا، الصحف لديها - وتسطيع جذب - كثير من أصحاب الآراء والمفكرين الذين خسرنا كثيرا منهم مؤخرا.

لو افترضنا عدم التشارك المؤسسي بين القطاعات الحكومية والقطاعات الخاصة مع الصحف وتركناها تعاني من ضعف دخلها الرئيس وهو الإعلانات حتى تلفظ أنفاسها، ما هو البديل؟ كيف سنبني صروحا جديدة على الأقل بنفس مؤهلات هذه الكيانات؟ هل سنستغني عن الخبرات الموجودة والمفكرين والعقول التي تدير هذا القطاع الإعلامي؟ أعتقد أن الجميع يتفق على تقوية القطاع الإعلامي بشكل عام وعدم الاستغناء عن المزايا التي يمتلكها قطاع الصحافة بالتحديد. هذا بمثابة أن نتخلى عنها ونعود ونبني بديلا لها من جديد!

لذلك، وبالإضافة إلى الجانب الإعلامي والثقافي، أرى ومن مبدأ تطوير الأعمال أن نستهدف دعم الصحف لتعمل كمنشآت مستقلة تجلب إيرادات وتصرف على أعمالها وتوفر أرباحا، من خلال التشارك مع قطاعات أخرى وإعادة هيكلة بعضها وعمليات دمج واستحواذ، بشرط أن يقود هذا العمل جهة قوية تنظر للموضوع كـ «استثمار» وليس كـ «دعم».

ربما أستطيع تصور بعض التفاصيل، ولكن مجمل هذا الاستثمار يكون في استغلال هذه الصحف للقيام بأعمال إعلامية متنوعة للقطاعات الحكومية، كصناعة محتوى ومنتجات إعلامية، وعمل منتجات مرئية وانفوجرافات، وكذلك تقديم استشارات وتطوير خطط للقطاعات الإعلامية في الوزارات وخطط للتعامل مع الأزمات، وتعرفون بقية الخدمات التي يمكن تقديمها من خلال هذه الصحف.

من الخطأ أن ننظر للصحيفة كـ «ناشر ورقي» أو حتى إلكتروني، الصحف لديها قدرات أخرى، وتقوم بجميع الأعمال الإعلامية والإخبارية التي تتم قبل النشر، ويمكن استغلال قنوات النشر القوية الموجودة وبذلك تتكامل الأعمال عن طريق الشراكات مع الناشرين. ما المشكلة أن يتم نشر محتوى من صناعة صحيفة عن طريق مشاهير التويتر والسناب والبرامج الأخرى؟

الصحف لا يهمها أن تكون الإيرادات من الإعلانات أو الدعم المباشر، أو كما اقترحت تقديم خدمات صناعة المحتوى والإنتاج والاستشارات وأعمال الخطط، الصحف كيانات تقوم على عمل يعتمد على الإيرادات لتنفق على نفسها وعلى كوادرها والمفكرين الذين تستقطبهم. لا ننسى أن الصحف تصرف على تغطيات وأعمال ميدانية.

أنظر للموضوع كتأسيس وتطوير مؤسساتي، وأجزم بأنه لو تركنا الصحافة تموت فسنعمل جاهدين لبناء كيانات إعلامية لتحل محلها، وهذا قد يستغرق سنوات طويلة. في الصحف القائمة التي عددها على الأقل سبع صحف، أجزم بأنه يوجد على الأقل في كل صحيفة عشرة أشخاص من الصحافيين المتمكنين بمتوسط خبرات 15 سنة على الأقل لكل شخص، أي مجموع خبرات 7x10x15 سيكون مصيرهم أعمالا خاصة ومتفرقة بعيدا عن العمل الجماعي الفاعل!

Barjasbh@