طلال الشريف

نحو صحة تنظيمية في قطاعاتنا الحكومية

الاثنين - 15 فبراير 2021

Mon - 15 Feb 2021

المنظمات شخصيات اعتبارية تشبه الشخصيات الطبيعية إلى حد كبير في دورتها للحياة، حيث تبدأ صغيرة وضعيفة، ثم تكبر وتقوى، وينتهي بها المطاف إلى الشيخوخة المؤسسية، وبالتالي تحتاج المنظمات إلى المحافظ على صحتها التنظيمية وحماية نفسها من الأمراض والعلل التنظيمية لتعيش أطول فترة ممكنة في تحقيق أهدافها.

وشركة ماكينزي الشهيرة في مجال الاستشارات، قامت ببناء نموذج عُرف بمؤشر الصحة التنظيمية OHI لقياس مستوى الصحة التنظيمية في سبعة عناصر، هي: الاستراتيجية والهيكل والأنظمة والقيم المشتركة والمهارات ونمط الإدارة وفرق العمل.

على مستوى الاستراتيجية يسعى النموذج إلى الكشف عن وضع الخطة الاستراتيجية للمؤسسة ومدى كفاءتها وفاعليتها، وكيف تحقق أهدافها، وكيف تتعامل مع متطلبات العملاء المتجددة، وكيف تتفاعل مع القضايا البيئية، وكيف تتعامل مع الضغوط التنافسية. وعلى مستوى الهيكل يسعى النموذج إلى كشف العلاقات التنظيمية التي توضح مسؤوليات ومهام كل شخص في المنظمة، ومن يقدم التقارير لمن، وكيف يتم تقسيم تصميم الهيكل التنظيمي، وما هو التسلسل الهرمي الوظيفي، وكيف تنسق الإدارات المختلفة الأنشطة فيما بينها، وكيف تنسجم فرق العمل مع بعضها البعض، وهل صناعة القرار تتم بشكل مركزي أم لامركزي، وما هي طرق التواصل بين المستويات الإدارية وبين الأفراد.

وعلى مستوى الأنظمة يقيس النموذج مجموعة الأنشطة والأعمال اليومية التي يشارك الموظفون في تنفيذها من أجل إنجاز مهام العمل، وما الأنظمة الرئيسية التي تدير المنظمة، ومدى ملاءمة النظم المالية والموارد البشرية والاتصالات وتخزين الوثائق، وما هي معايير العمل وكيف يمكن تقييمها، وما هي العمليات والقواعد الداخلية التي تتبعها فرق العمل للحفاظ على المسار الصحيح.

وفي مجال القيم المشتركة يكشف النموذج مجموعة القيم الأساسية والطموحات التي يشترك فيها أفراد المنظمة، والقيم المشتركة التي ترغب الإدارة في نشرها داخل المنظمة، وما هي ثقافة المنظمة، وما مدى قوة هذه القيم وتأثيرها على أداء المنظمة.

وعلى مستوى نمط الإدارة يقيس النموذج الطريقة التي تُدار بها المنظمة، وفلسفتها التنظيمية التي تعكس القيم التي تعمل وفقها، وإلى أي مدى يتشارك الموظفون في إدارة المنظمة، وما مدى فعالية الإدارة، وهل يميل الموظفون إلى التنافس أم التعاون، وهل هناك فرق تعمل داخل المنظمة بشكل حقيقي، أم إنها مجرد مجموعات تحمل أسماء مختلفة فقط.

وعلى مستوى فرق العمل يقيس النموذج كل ما يتعلق بأعضاء الفريق وخبراتهم، وما هي الوظائف والتخصصات المتوفرة داخل فرق العمل، وما هي الوظائف الشاغرة التي تحتاج المنظمة إلى شغلها، وهل هناك نقص في الكفاءات المطلوبة.

وفي مجال المهارات يكشف النموذج كفاءات ومهارات الموظفين التي تساعد المنظمة على المنافسة وزيادة الإنتاجية، وما هي أهم المهارات لدى فرق العمل، وهل هناك أي نقص في المهارات، وما هي الأشياء التي تتميز فيها فرق العمل، وهل الموظفون الحاليون قادرون على تنفيذ مهام العمل، وكيف يتم تقييم المهارات.

وقد كشفت نتائج عدد من الدراسات الإدارية التي طبقت على قطاعاتنا الحكومية العامة أهمية توفر مؤشرات الصحة التنظيمية، وقوة العلاقة الارتباطية بين مستويات الأداء المتحققة في القطاعات العامة وتوفر مناخات الصحة التنظيمية، وأن درجة توفر مؤشرات الصحة التنظيمية تتراوح بين ضعيفة ومتوسطة، وكذلك اطلعت على عدد من الخطط الاستراتيجية والتشغيلية لكثير من القطاعات العامة وبالذات خطط الجامعات، ولم أجد في أهدافها وبرامجها ما ينص صراحة على تعزيز مناخات الصحة التنظيمية وأثرها على الأداء والفاعلية التنظيمية، وهو ما يعني وجود خلل في عناية واهتمام قطاعاتنا الحكومية العامة بمؤشرات الصحة التنظيمية في رؤيتها ورسالتها وأهدافها وبرامجها الاستراتيجية وعمليات تقييم الأداء فيها.

عموما، لم تعد الصحة التنظيمية خيارا اختياريا للمنظمات، بل ضرورة يفرضها واقع التحول التنظيمي نحو المنظمات المتعلمة والمتنافسة، ووسيلة أساسية للتشخيص المبكر للعلل التنظيمية، فالمنظمة التي تتمتع بالصحة التنظيمية تتسم بالتكامل والاتساق بين أهدافها وعملياتها واستراتيجياتها وإدارتها وثقافتها وقبولها من العملاء الداخليين والخارجيين وكفاءتها في استغلال المعرفة والخبرة ورأس المال البشري استغلالا إيجابيا، وتملك القدرة على التعامل مع المتغيرات البيئية على المدى الطويل، وتعتبر بيئة عمل جاذبة للأفراد للبقاء فيها وتطوير أنفسهم والارتقاء بمستوى أدائهم بشكل ذاتي، ولنرفع شعار: نحو صحة تنظيمية في قطاعاتنا الحكومية.

drAlshreefTalal@