محمد النفاعي

معايير قيادية من قلب شبه الجزيرة العربية

السبت - 13 فبراير 2021

Sat - 13 Feb 2021

قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». هل تبصرنا يوما واستفسرنا عن ماهية مكارم الأخلاق الجاهلية التي أوجز لنا رسولنا الكريم مهمته في تبليغ الرسالة النبوية لإتمامها في هذا الحديث الصحيح؟

قبل الخوض في المقال، لنعرج قليلا لنتعرف على معنى كلمة الخُلُق. الخلق لغة هو: الدين والطبع والسجية والمروءة، وجاء في معجم المعاني تعريف الخلق بأنه حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية. الحديث والتعريف قاداني للغوص قليلا في هذه المكارم الأخلاقية العربية الجاهلية، ومن ثم فتح لي المجال للتعرف على شخصيات عربية تاريخية امتلكت أحسن السمات. هؤلاء سادوا وترأسوا بمكارم أخلاقهم التي قصدها رسولنا الكريم، مما أعطاهم ميزة القيادة والمكانة بين أقوامهم. لذا وددت أن أذكر معاييري الخاصة اللازم توفرها في القائد والنابعة فحسب من مكارم أخلاق العرب وسجاياهم الطيبة في شبه الجزيرة العربية مهبط الوحي ومنطلق الرسالة، وهي كالتالي:

السموألي:

نسبة إلى السموأل بن الحارث الأزدي، كتب التراث تذكر أنه ضُرِب بالسموأل المثل في الوفاء لتفضيله تسليم ابنه للقتل على أن يفرط بدروع كان ملوك كندة يتوارثونها ملكا عن ملك أودعها أمانة عنده امرؤ القيس. بعد وفاة امرئ القيس طلب الدروع الحارث بن أبي شمر الغساني وألح في طلبها من السموأل، لكن السموأل أصر على تسليمها لورثة امرئ القيس فقط. هنا سار إلى السموأل وحاصره في حصنه الشهير الأبلق في تيماء. استعصى السموأل على الحارث وجيشه، أثناء الحصار أسر الحارث ابن السموأل عند عودته من رحلة صيد، فخيَّر الحارث السموأل بين دفع الدروع التي في حرزه أو قتل ابنه، فاختار السموأل الوفاء بالذمة. والسمة القيادية هي الوفاء بالعهد وتأدية الأمانة على أكمل وجه مهما كانت الصعاب والتحديات والضغوطات على القائد.

الأكثمي:

نسبة إلى أكثم بن صيفي التميمي، أكثم بن صيفي وصف بأنه حكيم العرب بلا منازع، وله قصة مشهورة مع كسرى ملك الفرس. كان أكثم بن صيفي بين وفود العرب إلى كسرى من قبل النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فلما أذن كسرى لهم بالكلام قام أكثم بن صيفي فألقى خطبة مليئة بالحكمة والبلاغة اللغوية، تعجب كسرى من أكثم ثم قال ويحك يا أكثم! ما أحكمك وأوثق كلامك لو لم يكن للعرب غيرك لكفى. والسمة القيادية هي الحكمة والبلاغة في الحديث والمقدرة على إيصال الأفكار بسلاسة إلى من حوله مهما اختلفت مستوياتهم.

العَمرِي:

نسبة إلى عمرِو بن العاص القرشي، وتمثل ذلك في قصته المشهورة مع أرطبون الروم، حيث دخل عليه متخفيا وكأنه رسول من قبل جيش المسلمين المحاصر للروم. ثم لما انكشف أمره للأرطبون استطاع الإفلات من بين يديه ببساطة وحنكة، وقد قال عنه أرطبون الغرب حينها «هذا أدهى الخلق». وقد عرف عنه بأنه أفضل من يواجه المعضلات من العرب، وهذا ما تقابله مهارة إدارة الأزمات في علم الإدارة crises management والذي من أهم عناصره سرعة القرار وعنصر المفاجأة، وهذا ما تميز به ابن العاص. والسمة القيادية هي حسن التصرف وسرعة البديهة عند التعامل مع المواقف الصعبة والقدرة على الخروج منها بأقل الخسائر إن لم يكن هناك مكتسبات.

الأحنفي

نسبة إلى الأحنف بن قيس التميمي. الأحنف هو سيد قبيلة تميم، ويضرب به المثل في الحلم عند العرب. يقال بأنه هو من جاء بالمقولة الشهيرة جدا «سيد القوم خادمهم»، هذه المقولة التي تبناها الغرب في أطروحاته ونظرياته في علم الإدارة وصناعة القادة، وأسماها القيادة بالخدمة servant leadership.

أتذكر قصة حدثت لي شخصيا عند ارتيادي دورة في القيادة وتقييم المديرين، حيث ذكر لي أحد المحاضرين وهو الدكتور الأمريكي جيمس سايب إعجابه بالمقولة وتبنيه هذا المنهج في القيادة علميا، ومن ثم تأليفه كتابا عنوانه «الركائز السبع للقيادة بالخدمة: ممارسة حكمة القيادة بالخدمة - Seven Pillars of Servant Leadership: Practicing the Wisdom of Leading by Serving» مبني تماما على هذا المعيار. والسمة القيادية هي التحلي بالحلم والأناة عند الاعتناء بمن حولك.

ختاما، نقول إن هناك معيارين أساسيين للقيادة يجب ألا يحيد عنهما جميع القادة، جاء ذكرهما في القرآن الكريم في قوله تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين»، حيث من الملاحظ أنه لا تخلو معظم الكتب والنظريات والأطروحات عن معايير القيادة من ذكرهما معا أو أحدهما على الأقل.

msnabq@