زيد الفضيل

نقطة بداية

السبت - 06 فبراير 2021

Sat - 06 Feb 2021

لكل منا بداية ونهاية قدرية كتبها الله في اللوح المحفوظ، وعرف بعلمه السابق تفاصيل ما بينهما من حياة، فمنا شقي وسعيد، غني وفقير، صحيح ومريض، وقد فصل العلماء في كيفية تحقيق ذلك وتدبيره، وما إذا كان الإنسان في قناعاته وقراراته وعمله مُسيَّرا أو مخيرا، وهل الشقاء والسعادة حكم قدري لا انفكاك من أحدهما، أم هما إرادة يكتبها المرء بنفسه، ويصنع ملامحها بجهده، مع الإيمان بمعرفة الله لكل ما يحصل بعلمه السابق، والإيمان بأن علم الله سابق لا سائق كما يقول الأصوليون.

على كل، فذلك مبحث كلامي ليس هدفنا مناقشته والغوص في ثناياه عبر هذه المقالة السريعة، وإنما أردت تسليط الضوء حول نقطة البداية المحورية التي يصنعها الإنسان بنفسه، ويكون لها تأثير جذري على حياته، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وغالبا ما يكون لها أثرها المُدوّي ضمن إطار المجتمع والمحيط الإقليمي أو الكوني.

إنها وليدة الدهشة، وهي نتيجة تفكر وتدبر وبناء إرادة بأسلوب مغاير لما يكون عليه الآخرون، والكون قد خلد أسماء عديد من أولئك على مدار التاريخ الإنساني، فمن منا لا يعرف «حمورابي» بتشريعاته العادلة، و»الإسكندر المقدوني» الذي طاف الأرض ونثر إسكندرياته في آفاقها، وإن كان لم يبق منها مشهور سوى إسكندرية مصر الساحرة، والملكة «كليوبترا» المقدونية، تلك التي رفضت الخضوع لسلطة الجنرال الروماني، ومثلها الملكة العربية «الزباء» أو «زنوبيا» التي واجهت بصرامة وعزة صلف الإمبراطور الروماني أورليانوس، ومن قبلهم ملكة سبأ التي خلدها القرآن كامرأة حكيمة مدبرة مؤمنة، مرورا بكثير من الحكام والقادة، وبغيرهم من العلماء الأفذاذ الذين غيروا مجرى التاريخ بعلمهم، كابن سينا صاحب كتاب «القانون في الطب» الذي أضحى مرجعا أساسيا لفترات طويلة، والخوارزمي الذي قدم في كتابه «حساب الجبر والمقابلة» أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية، وابن خلدون وهو أول من تكلم عن علم العمران، ويعد بذلك مؤسسا لعلم الاجتماع، وصولا إلى التاريخ الحديث والمعاصر بما يحويه من علماء غيروا مجرى الأرض واقعا كما نشاهد.

وعلى الصعيد المحلي، لا نستطيع أن نغفل نقطة البداية المفصلية مع مطلع القرن الـ20م التي غيرت مجرى تاريخ أقاليم شبه الجزيرة العربية بقيادة أمير شاب امتلك إرادة التوحيد والبناء، ليؤسس وطنا من لا وطن، ويولد معه شعب واحد، بهوية واحدة، تم تكوين ملامحها من مختلف أقاليم شبه الجزيرة العربية الرئيسة التي اجتمعت تحت لوائه، وتوحدت لأول مرة منذ نهاية عهد الخلافة الراشدة في وطن واحد، أطلق عليه اسم «المملكة العربية السعودية» بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ثم يريد الله أن نكون شهداء معاصرين لولادة نقطة بداية جديدة مع مطلع القرن الـ21م يقودها حفيده الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي يخوض بإرادة ووعي معركة تجديد عرى ومفاصل التحديث المجتمعي والحياتي والاقتصادي لهذا الوطن، برعاية حكيمة من والده الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظهما الله.

في هذا السياق، أشير إلى أن نقطة البداية لهذا المقال قد ولدت مع حضوري لدردشة ثقافية خفيفة في رحاب الصالون الثقافي بنادي جدة الأدبي بين ضيفة الصالون دعاء بنت محمد، ومحاورتها استشارية القلب إيمان أشقر، ولعلي أجدها فرصة لأن أتقدم بالشكر لرئيسة وأعضاء الصالون، وهنّ مع حفظ الألقاب: نبيلة محجوب، مها عقيل، إلهام بكر، نور العامودي، سعاد جابر، جواهر القرشي، إيمان أشقر، على جهدهن الملموس في إثراء المشهد الثقافي بعديد من المواضيع القيمة، التي تعكس جانبا مشرقا في مشهدنا الثقافي بوجه عام.

وحتما فذلك يؤكد عظيم المنجز المعرفي الذي حققته المرأة السعودية، الذي لم يكن مقتصرا على الصعيد الثقافي العام الذي برز فيه من جدة عديد من السيدات الأديبات، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر: ثريا قابل، صفية بنت زقر، انتصار العقيل، حصة العون، أشجان الهندي، لمياء باعشن، خديجة الصبان، وغيرهن، بل امتد لتكون المرأة السعودية رأسا في مختلف العلوم والمعارف، ومن أولئك: عالمة الطفيليات في جامعة الملك عبدالعزيز البروفيسورة ناجية الزنبقي، والبروفيسورة سميرة إسلام، وهي أول سيدة عربية سعودية تحصل على جائزة اليونسكو للمرأة والعلوم لإنجازها العظيم في مجال الأدوية، كما تعد أول سيدة سعودية تتولى منصبا في منظمة الصحة العالمية، إضافة إلى البارزات على الصعيدين الإداري والتجاري من قبيل: لمى السليمان، ومضاوي الحسون، وعلى الصعيد الإعلامي كالرائدات: نجدية الحجيلان المعروفة باسم سلوى إبراهيم، وأسماء زعزوع المعروفة بماما أسماء وابنتها من بعدها دلال ضياء، ونجاة محمد حسن عواد، وشيرين حمزة شحاتة، وفاتنة شاكر، وغيرهن كثيرات في مختلف المجالات ممن أسسن لقطار لا يزال قائما ومتوهجا بنور من فيه حتى الوقت الراهن. والحمد لله.

zash113@