محمد الأحمدي

عقلية المايكرويف للباحث الأكاديمي

الثلاثاء - 02 فبراير 2021

Tue - 02 Feb 2021

أثناء قراءتي بقسم تنمية الذات في المكتبة الجامعية الذي أعتقد أن على الباحث أن يمر عليه بين فينة وأخرى ليتعلم بعض المهارات المساعدة لتحقيق هدفه العلمي، وقع بين يدي صدفة كتاب دارن هادري Darren Hardy المسمى The Compound Effect.

شدتني عبارة في الكتاب جعلتني أخرج به وحيدا من المكتبة، وأقرر أن أكتب لكم هذه القاعدة التي تتكرر في حياتنا اليومية بصور مختلفة. لا شك أن بعض العبارات التالية مرت بنا في تجاربنا الحياتية كعبارة أتريد أن تتحدث اللغة الإنجليزية في أسبوع؟ أو الفرنسية في أسبوع، أو تتخلص من 10 كيلو من وزنك في 3 أيام، أو تصبح مليونيرا في ساعة، أو تريد أن تنجز بحثك في نهاية الأسبوع؟

هذه نظرية المايكرويف التي تعمل على حفز العقل نحو تحقيق الأهداف في أقصر مدة زمنية، دون اعتبار للتدرج المرحلي في تنمية القدرات حتى الوصول للنهايات المرغوبة. فكأن لسان الحال لمبدأ عقلية المايكرويف يريد أن ينقل طفلا من المهد إلى سن الرشد دون الفطام وتعلم مهارة المشي. وفي الحقيقة عقلية المايكرويف أسلوب تسويقي يوافق الرغبة في الوصول السريع لتحقيق الغايات المحببة.

هنا يتطلب الربط بين فكرة دارن هاردي ومجال البحث العلمي حول معرفة عمل جهاز المايكرويف. هذا الجهاز يعمل من خلال دفع موجات الأشعة الكهرومغناطيسية بقوة عالية، وبمساعدة مروحة التشتيت تتوزع هذه الإشعاعات على الطعام فتقوم برفع درجة حرارته.

إذن، ما علاقة هذا بعقلية الباحث؟

يكمن جوهر عقلية المايكرويف Microwave Mentality في رغبة الباحث في إنجاز المهام المتعددة بسرعة عالية، أقل من الوقت الفعلي المحدد لها، وتوزيع جهده على مهامه البحثية المتعددة دون انقطاع بهدف تحقيق نتيجة كلية. وهذا يؤدي إلى الشعور بالاحتراق، والعجز عن تحقيق الهدف والاعتقاد بالفشل، مما يسلب الباحث روح الطموح والمحاولة، ويقلل الحماس نحو تحقيق الأهداف والتحول لمرحلة إيهام النفس بالفشل المتكرر. والواقع غير ذلك، فقد حشد الباحث مهاراته وجهده في وقت قصير لتحقيق مهام بحثية تحتاج لكثير من الوقت لتحقيقها أو أن المهام تحتاج لمهارات يصعب جمعها في وقت واحد، مما أدى إلى تشتت الجهد عبر مروحة تشتيت الأشعة. وهنا فإن الرغبة الدافعة للباحث بأن يحقق كل شيء في وقت واحد دون تخطيط دقيق يجعل المروحة تشتت الجهد في كل اتجاه وفي النهاية يصل لمرحلة الاحتراق.

رأيت أثناء تجربتي التطوعية القصيرة في مكتب الخدمات الاستشارية للطلاب الدوليين أن كثيرا من الأسباب التي تجعل الباحثين الدوليين يدخلون في قلق مؤثر على رحلتهم الأكاديمية، وحياتهم اليومية في بلد الابتعاث، هي الرغبة في إنجاز مهامهم الأكاديمية في فترة قصيرة جدا، وعادة تؤجل هذه الفترة إلى آخر سنة للمرحلة الأكاديمية.

هذا يجعل عقلية المايكرويف تعمل بشدة في هذه الفترة فتسبب الاحتراق، وتقلل الدافعية المعتدلة التي تحقق الإنجاز الأكاديمي. مثل رغبة الباحث في تعلم الكتابة الأكاديمية، والقراءة النقدية، والتوثيق، ومهارات التحليل الإحصائي، والتحليل النوعي، وتفسير النتائج، وطرق مناقشتها، والتنسيق، وتقديم المحاضرات، وحضور المؤتمرات، ونشر البحوث، والتطوع مع الجمعيات الخيرية في فترة وجيزة جدا دون تخطيط جيد، وإعطاء أولوية للوقت لتحقيق هذه المتطلبات المتعددة! بهذه الطريقة حتما سيقع الباحث في عقلية المايكرويف.

النتيجة يتولد الشعور بالفشل، وتبدأ رحلة البحث عن إيهام النفس بالأسباب والمبررات لذلك، كقصور الإشراف الأكاديمي، وصعوبة الدراسة ونحوهما.

الجيد أن الجامعة متيقظة لهذه الحالة فوفرت مكتب استشارات الطلبة لمساعدتهم في الوصول لحل فردي قائم على دراسة الحالة لهذه المشكلة. واستقطابي أتى من هذا الباب لمعرفتي بثقافة الطلبة العرب وطريقة تفكيرهم.

هذه العقلية تجعل الباحث يبحث في كل اتجاه، ويفكر في كل القضايا في وقت واحد، وهذا لن يتحقق بهذه السهولة. فالقواعد التي قدمتها سابقا كقاعدة ابدأ من حيث أنت وستتطور مع التدريب، وتعلم ما تحتاجه من مهارات وخطط لتصل إلى منصة التتويج، واصنع عادة في الكتابة اليومية، جميعها تدعم التعلم المستمر وإعطاء المرحلة حقها المحدد لها، والاجتهاد في العمل في ضوء ما يقترحه برنامجك الأكاديمي من ساعات عمل أسبوعية.

الخلاصة أن عقلية المايكرويف عقلية تسويقية تتسبب في الاحتراق الأكاديمي للباحث.

@alahmadim2010