دلال العريفي

حدثوني عن التعليم أحدثكم عن التنمية

الخميس - 21 يناير 2021

Thu - 21 Jan 2021

دائما يأتي الاهتمام الأكبر للتعليم وللارتقاء به ولا غرابة، فالتعليم بوابة التنمية للأوطان، والارتقاء به هو الخطوة الأولى التي تتبعها خطوات التقدم والتغيير والتطور والتنمية الشاملة.

وهنا أتذكر كلمات الدكتور القصيبي في كتابه «التنمية.. الأسئلة الكبرى» أن التوصية التي توصل إليها بعد ربع قرن من معايشته للتنمية، نظرية وواقعا، هي أن الطريق إلى التنمية يمر أولا بالتعليم، وثانيا بالتعليم، وثالثا بالتعليم، فالتعليم باختصار هو الكلمة الأولى والأخيرة في قضايا التنمية.

إن التنمية بكافة مجالاتها لا يمكن أن تتحقق دون أن تعبر جسر التعليم، لكن الأمر المهم الذي ينبغي ذكره هنا أن تنمية أبناء المجتمع ليست قضية تخص مؤسسات التعليم وحدها! وأن التعليم ليس محصورا في مدرسة أو قاعة دراسية! فالتعليم لا حدود له، ومسألة التعليم تتجاوز جدران المدارس وقاعات الجامعات. كما أن رسالة التنمية الدائمة هي دعم الأفراد حتى يستطيعوا بلوغ مستويات أعلى من التعليم والتطور في أي مؤسسة وفي أي قطاع، لهذا السبب وغيره تبرز تنمية الموظفين بالتعلم والتعليم، ومن أجل هذا كانت العلاقة التكاملية القوية بين التعليم والتنمية أمرا تتطلع إليه المؤسسات بمن فيها.

وبالحديث عن التنمية المهنية، هناك خلط كبير، بين التنمية كمفهوم، وبين مصطلحات أخرى كالنمو والتطوير والتدريب وغيرها، إلا أن كل مصطلح يحمل مفاهيم وأبعاد مختلفة.

فبالنسبة للقصيبي النمو لا يقارن بالتنمية، ذلك أن التنمية تتضمن نضجا علميا كافيا، وكفيلا بأن يشمل عدة مجالات، ودون أن تكون تلك التنمية في صالح جانب على حساب جوانب أخرى، وهذا بالذات ما قد يحصل في المعنى الذي يقدمه مصطلح النمو، فقد يتحقق النمو في جزء دون أجزاء، أو لصالح فئة دون فئة. ودون المفهوم الشمولي يفتقد النمو المعنى الحقيقي للتنمية. ويعبر مصطلح التطوير المهني عن الجهود التي تعمل على تقليل الفجوة بين الأداء الحالي للأفراد، وبين ما هو مطلوب منهم لتحسين الأداء.

إنما التنمية المهنية مصطلح شامل ومتكامل، يضم تحت مظلته أمورا كثيرة. فيمكن القول إن التعليم والتدريب اللذين يقدمان للعاملين وسائل من وسائل التنمية المهنية، ووسيلة واحدة لا يمكن أن تكون كافية لتحقيق المعنى الشامل للتنمية المهنية للأفراد.

وتتجلى أهمية التنمية المهنية في أثرها على المؤسسات والعاملين بها. فبالتنمية يرتقي الفرد، وبهذا الارتقاء تتقدم المؤسسات وتتميز لشمولها وتركيزها على الجانب المهاري، والعلمي، والتقني، واتساعها لتشمل مستويات الفرد والمنظمات. فمن جهة الفرد، تحقق التنمية المهنية مبدأ الارتقاء بالإنسان بشكل متكامل، وتحدث تغييرا جوهريا في حياته، بتصحيح اتجاهاته، وإكسابه طرقا وأساليب أكثر جودة، وتوسع خياراته، وتساعده في التعرف على مكنونات ذاته وتنمية قدراته.

وبكل هذه الأمور فإن التنمية المهنية تستهدف جودة العمل، وإعداد وبناء قيادات متميزة، وتطوير السياسات والإجراءات الإدارية لتتواكب والتنمية الشاملة للمجتمع. إذن لماذا تتخلى بعض المؤسسات عن هذا الدور بتعليم موظفيها؟ ولماذا يقضي الموظف سنوات طويلة في وظيفته وتبقى قيمة خبرته سنة واحدة متكررة لا يتعلم خلالها شيئا جديدا؟ وهل يمكن أن يحقق شيئا دون تعليمه كل ما يضيف له ولعمله؟ غالبا من يتميز في هذا الأمر هو فقط الموظف الواعي الذي يعمل على نفسه ويتبنى أساليب التعلم والتنمية الذاتية.

الرسالة الأخيرة هنا أن الأخذ بمفهوم التنمية المهنية الشامل والاهتمام بها لم يعد خيارا للمؤسسات، بل هو وسيلة لبلوغ الغايات والطموحات، وواجب تجاه كياناتها والعاملين بها. ثم.. حدثوني عن التعليم - في أي مكان - أحدثكم عن التنمية.

darifi_@