وليد الزامل

أحياؤنا السكنية بين جودة الحياة وقُبلة الحياة!

السبت - 02 يناير 2021

Sat - 02 Jan 2021

استيقظت من النوم لأحتسي قهوتي تحت قطرات المطر استعدادا للخروج من المنزل لممارسة رياضة المشي كالمعتاد في مسارات مشاة آمنة تعلوها الأشجار الباسقة، لست بحاجة إلى قيادة السيارة لأشد الرحال نحو ميدان المشاة أو الممشى العام كما يسميه البعض، فجميع العناصر العمرانية في الحي السكني صممت فعليا لتكون ضمن إطار البعد الإنساني.

أغدو في طريقي لأستريح على مقعد خشبي يطل على قنوات مائية، ومساحات خضراء تتمتع بها الأسر، وتقام فيها مناشط وفعاليات تعزز الترابط الاجتماعي بين سكان الحي.

ها أنا أستمتع بالماء والخضرة ويبهجني صوت خرير الماء الممزوج بنسمات الصباح وقطراته الندية، لأعود إلى منزلي وقد امتلأت بالطاقة الإيجابية.

إن ما ذكرته في مقدمة المقال ليس ضربا من الخيال، أو حلما من أحلام اليقظة، إذ يرى عديد من مخططي المدن إمكانية تحقيق ذلك، فأنماط تخطيط الأحياء السكنية والمواصفات التصميمية لها تؤثر على جودة الحياة لتعكس الشعور الإيجابي في حياة الإنسان.

إن جودة الحياة في المدينة تبدأ بفهم علاقتنا بالبيئة التي من حولنا وأثرها على أنماط حياتنا وسلوكيتنا. وتعد الأحياء السكنية أكثر البيئات التي يقضي فيها الإنسان جل وقته، ويمارس فيها نشاطاته المتعددة. لذلك، فإن تخطيط المدينة وتصميم الأحياء السكنية يعكسان حاجة المجتمعات للرقي بأنماط الحياة وأساليب المعيشة.

تتضمن جودة الحياة مجموعة من المؤشرات التي تقيس مدى إدراك الإنسان للقيمة المعنوية لحياته بكافة أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والروحية. هذه الأبعاد تعكس رضا الإنسان عن ظروفه الحياتية في سياق المجتمع الذي يعيش فيه.

إنها تعبر عن وضعه الاقتصادي ومدى امتلاكه علاقات اجتماعية إيجابية تكسبه التقدير الذاتي، والاتزان العاطفي، والاستقرار الروحي ليقبل على الحياة بإيجابية. وبشكل عام، يتناول هذا المفهوم تحقيق التوازن ما بين عوامل الصحة الجسدية، والحالة النفسية، والمستوى الاقتصادي، والوضع الاجتماعي وتفاعلها مع البيئة المحيطة. وغني عن البيان أن الصحة لا تعني غياب المرض، بل تحقيق الرفاهية الجسدية، والعقلية، والاجتماعية التي تعززها أنماط تخطيط وتصميم البيئة السكنية.

إن تصميم أحيائنا السكنية يجب أن يكون نابعا من فهمنا للسلوك الاجتماعي والإنساني، ومتطلبات المعيشة الاقتصادية، وذلك للوصول إلى مكونات وأنماط عمرانية تحقق جودة البيئة السكنية وتعزز من الصحة الجسدية والنفسية للإنسان، وهكذا فإن جودة البيئة السكنية تعمل على تحسين نمط حياة الفرد والأسرة وتعيد التوازن لبناء مجتمع منتج، قادر على الإبداع، ومفعم بالطاقة الإيجابية.

في الواقع، يعاني عديد من الأحياء السكنية منذ عقود من سيطرة النمط الوحدوي في التخطيط، حيث تهيمن المركبات بوصفها وسيلة نقل أحادية على المشهد العام للأحياء السكنية، ولا تتوفر بدائل أخرى تعزز الاتصالية بين مكونات الحي السكني مثل مسارات المشاة، ومسارات الدرجات الهوائية، والنقل العام. كما تتسم هذه الأحياء بالرتابة دون اعتبار للتنوع الاجتماعي والتباين الاقتصادي بين السكان!

لقد تَشكلت العديد من الأحياء السكنية بهدف استيعاب السكان، بعيدا عن اعتبارات جودة الحياة ومتطلبات البعد الإنساني في التصميم، لتبدوا وكأنها جسد بلا روح، إنها لا تعكس ثقافة المجتمع واحتياجاته. باختصار، هذه الأحياء السكنية تحتاج إلى (قُبلة) الحياة كخطوة لتعيدها إلى الحياة أولا قبل الخوض في غِمار متطلبات (جودة) الحياة!

@waleed_zm