محمد النفاعي

الأسطورة الخيالية رِفد التنمية البشرية

الخميس - 31 ديسمبر 2020

Thu - 31 Dec 2020

الموارد البشرية إحدى اللبنات الأساسية الثلاث داخل المؤسسات، تنميتها تشكل أحد التحديات الكبيرة بالنسبة للمديرين والموظفين على حد سواء. من هذا المنطلق، نشأت النظريات والأطروحات المختلفة في هذا الجانب لمساعدة جميع الأطراف من إداريين أو موظفين لتحقيق النجاح المطلوب لكليهما بشكل خاص وللمنظومة بشكل عام. وبما أن أغلب كتب ومحاضرات التنمية البشرية الحديثة تتبنى القصص الواقعية لتوضيح الفكرة أو النظرية المراد عرضها للمتلقي، لم لا نوسع هذا المفهوم بتوظيف الأساطير ذات المغزى في التدريب training أو عند التوجيه mentoring؟

هل سينجح هذا الأسلوب في دعم تحفيز الموظفين وتدريبهم؟ وهل سيساعد هذا الأمر الإداريين على التوجيه الأمثل للموارد البشرية؟

عادة تتناقل الأجيال الأساطير من جيل إلى آخر، ويعتريها ما يعتريها من حذف وإضافات، ولكن لُب الأسطورة ومغزاها يبقى راسخا مع تقادم الزمان هادفا إلى تقديم درس معين. الملاحظ أنه مع تطور العصور والإدراك البشري اختفت الأساطير وخف بريقها وتأثيرها كثيرا، وأصبحت حكايات جدات في ليالي الشتاء الباردة.

هنا سنحاول توظيف وربط أسطورتين اشتهرتا في الجزيرة العربية في علم التنمية البشرية وتطوير الذات، لعل ذلك يسهم إيجابيا على المتلقي ويكون بداية طرح جديد في هذا المجال.

مقلع طمية:

مقلع طمية موقع أثري عبارة عن حفرة عميقة في الأرض بقطر دائري يبلغ 3 كلم وعمق 380م، وهي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، يقع بالقرب من الطائف وتحديدا بجوار قرية أم الدوم. مقلع طمية خلفه أسطورة عشق بين الجبل الأنثى طمية والجبل الذكر قطن. حاولت طمية أن تذهب إلى قطن الذي يقع بين القصيم والمدينة، وقررت الارتحال إليه، لكن ابن عمها الجبل عكاش، وهو جبل آخر قريب منها رآها، أحس بالغيرة فرماها برمحه، فقطع أرجلها واستقرت قريبا من قطن، وهو الموقع المعروف الآن بجبل طمية بين القصيم والمدينة أيضا.

ما يهمنا هنا هو الأثر الكبير الذي تركته طمية بعد مغادرتها المكان، وكيف أصبح أثرها أشهر منها عند العامة، ومن ثم بدأ الناس يتساءلون عن الجبل طمية بعد ذلك. العظة من القصة هي الحرص على أن نترك أثرا طيبا بقوة أثر «مقلع طمية» خلفنا عند مغادرتنا لأي موقع وظيفي. وكما قال أحمد شوقي: وكن رجلا إذا أتوا بعده / يقولون مر وهذا الأثر.

كيف تأقلمت وحافظت طمية على بريقها كجبل مشهور على الرغم من تغير بيئتها الأساسية أيضا؟ فإن كنت تملك المعرفة و ما يسمى بـ the know how ستتمكن من البروز مجددا على الرغم من التحديات في البيئة الجديدة. في السياق نفسه نتذكر قصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، بعد هجرته إلى المدينة، حيث رفض أن يأخذ نصف مال الصحابي سعد بن الربيع الخزرجي، وقال له «دلني على السوق»، على الرغم من انتقاله إلى مكان جديد، إلا أنه نجح مجددا بسبب ما يملك من سلاح المعرفة.

زرقاء اليمامة:

أسطورة زرقاء اليمامة جرى تداولها على مدى التاريخ، وهي امرأة عربية من بلاد نجد وبالتحديد من منطقة كان يطلق عليها اسم جديس. تميزت بنظرها الثاقب وقدرتها على إبصار أي شيء من على بعد ثلاثة أيام من السير حتى ضُرِب بها المثل. في قصتها عبرة مهمة، وهي ضرورة سماع النصيحة التي يقدمها ذوو الخبرات والمهارات، فقد حذرت اليمامة قومها من قدوم الأعداء لغزوهم، إلا أنهم لم يصدقوها وكانت عاقبتهم وخيمة. وكما قال الأعشى: لا تقطعن برأي نفسك واستشر / من ذاق أحوال الزمان ومارسا.

هذه الأسطورة تحث على اكتشاف مواطن القوة للأفراد وتسخيرها إيجابيا لصالح المجموعة، فهل سألنا أنفسنا: كم من أمثال زرقاء اليمامة نملك في بيئة العمل ولم نقدر آراءهم أو نستفد من خبراتهم أو حتى نكلف أنفسنا باكتشافهم واحتضانهم؟

في الختام، أساطير تراثنا مليئة بما يثري علم تنمية الموارد البشرية، ومنهم «سندباد» الذي جل ما فعله هو ما قاله الحكيم اليوناني سوفوكليس «ارغب دائما أن تتعلم شيئا مفيدا».

msnabq@