طلال الشريف

إلغاء الكليات المتناظرة داخل الجامعات

السبت - 26 ديسمبر 2020

Sat - 26 Dec 2020

بدأت جامعاتنا العمل لمرحلة جديدة من التحولات الأكاديمية والإدارية والمالية بصدور نظام الجامعات الجديد، الذي جاء استجابة لتحقيق مستهدفات رؤيتنا في 2030 ، ودفع الجامعات نحو التنافسية المحلية والعالمية وخلق هوية خاصة بها، وتحقيق الكفاءة والفاعلية في قيادة مؤسسات المجتمع ونجاح المشروعات الوطنية التنموية والإسهام في تطور العلوم المختلفة ضمن منظومة الجامعات العالمية.

وفي حقبة زمنية سابقة فرض واقع التنظيم الحكومي في قطاع التعليم والاحتياجات التنموية إنشاء معاهد وكليات لإعداد المعلمين والمعلمات، عندما كان تعليم البنين مفصولا ومستقلا عن تعليم البنات، وعندما كانت وزارة التعليم العالي منفصلة عن التعليم العام، وأدير التعليم في قطاع التعليم العام للبنين والبنات بنمط قيادي وفلسفة وسياسات وإجراءات متباينة، واتخذ القرار التاريخي بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات في وزارة المعارف لتوحيد السياسات والإجراءات وترشيد الموارد وإعطاء المرأة دورا أكبر في إدارة تعليمها، وتبع ذلك قرار دمج وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة لردم الفجوة بين مخرجات التعليم العام ومتطلبات مدخلات التعليم العالي توحيد الجهود وتحقيق التكامل وكفاءة الإنفاق المالي على قطاع التعليم.

ونتيجة لهذه التحولات الضخمة في التنظيم الإداري لقطاع التعليم في بلادنا، ولتوسع التعليم العالي بإنشاء العشرات من الجامعات في مختلف المناطق والمحافظات الرئيسية، ضمت كليات إعداد المعلمين والمعلمات إلى الجامعات الأقرب لها باعتبارها كليات تعليم عالٍ، ومن الطبيعي أن تكون ضمن هيكلة الجامعات مع بقائها في مواقعها الجغرافية، وتسابقت بعد ذلك الجامعات الناشئة في استحداث كليات أخرى في تخصصات أخرى في المحافظات، خاصة في التخصصات الإنسانية والإدارية، استجابة لمتطلبات التنمية، وفي صورة نمطية تقليدية انعكست بشكل مباشر على زيادة مخرجات التعليم العالي الكمية وارتفاع نسب البطالة، وأصبح لدى الجامعة الواحدة عدد من الكليات المتناظرة في التخصص نفسه، مع اختلافها في خططها التشغيلية ومستوى أدائها الأكاديمي والإداري، وبالتالي مستوى مخرجاتها من التخصص نفسه.

ولا أبالغ إذا قلت إن أكبر نقاط الضعف والمخاطر التي تواجهها جامعاتنا، خاصة الناشئة منها، وجود الكليات المتناظرة من التخصص نفسه، حيث تؤثر بشكل جذري على سمعتها الأكاديمية وجودة إدارتها وكفاءة إنفاقها المالي ومستوى مخرجاتها وحصولها على الاعتمادات المحلية والدولية التي تكسبها صفة التنافسية العالمية، والخيار الاستراتيجي الوحيد أمام الجامعات هو إلغاء الكليات المتناظرة من التخصص نفسه، دون إخلال بدورها في تنمية المحافظات، والمحافظة على شكل ومضمون الجامعة الأكاديمي الصحيح.

لقد اتجه كثير من جامعاتنا إلى تجربة إنشاء الكليات الجامعية في المحافظات التابعة لها لمعالجة مشكلات الكليات المتناظرة، وهي صورة مصغرة للجامعة، وكشفت التجربة أنها تتشابه بشكل كبير جدا مع الكليات المتناظرة، فالأقسام العلمية موجودة في هيكلة الكليات الجامعية، مع استمرار التعارض والازدواجية في كثير من الأحيان مع الأقسام والكليات الأم في الجانب الأكاديمي، وزيادة الأعباء الإدارية والمالية على الجامعات، إضافة إلى فقدانها الهوية الخاصة وعزوف كثير من الطلاب عنها وضعف مخرجاتها مقارنة بمخرجات الكليات المتخصصة.

ونقترح هنا، بعد تجربة التعليم عن بعد وتطور البنى التحتية والعلوية التقنية لجامعاتنا، إعادة هيكلة الجامعات لكلياتها المتناظرة وفق ما تقتضيه الاحتياجات التنموية الحقيقية لتلك المحافظات، وإلغاء الكليات المتناظرة من التخصص نفسه في المحافظات والاكتفاء بالكلية الأم في مقر الجامعة الرئيس، وإنشاء فروع للجامعة في المحافظات التي ألغيت فيها الكليات المتناظرة، بحيث يكون دور الفرع محصورا في الإشراف على تنفيذ العملية التعليمية وحلقة الوصل مع الأقسام والكليات الأم في البحث العلمي وخدمة المجتمع، ويبقى الارتباط الأكاديمي الكامل للطلاب وأعضاء هيئة التدريس مع القسم والكلية الأم، بحيث يتكون تنظيم الفرع من مدير للفرع وممثل للجامعة للإشراف العام على الفرع وثلاثة وكلاء أحدهم لتنفيذ العلمية التعليمية والثاني لنشاطات البحث العلمي والثالث لخدمة المجتمع والتعليم المستمر، ويكون صلب التنظيم الإداري للفرع شعبا لكل تخصص يحتاجه الفرع، يتولى إدارتها والإشراف عليها أحد أعضاء هيئة التدريس من التخصص نفسه، إضافة إلى المكاتب المساندة لإدارة الفرع.

وإني لأدعو المسؤولين في الجامعات إلى دراسة هذا المقترح وتطويره، وقد يكون في الأخذ به نجاح حوكمة الجامعات وجودة أدائها وتعزيز انتماء وولاء منسوبيها والارتقاء بمستواها العلمي.

drAlshreefTalal@