آلاء لبني

الحياة الرقمية

الخميس - 24 ديسمبر 2020

Thu - 24 Dec 2020

الحياة الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن أسلوب وشكل وواقع قد يكون مغايرا تماما للواقع الحقيقي، في السابق كانت الشركات هي من يهتم بعلامتها المسجلة لما لذلك من فوائد يعود على التسويق.

أما اليوم فالتسويق والعلامة أصبحا للجميع، للفرد والمؤسسة والشركة والقطاع الحكومي، الكل في مضمار سباق السمعة الرقمية.

الحياة الرقمية أصبحت جزءا لا يتجزأ من اهتمامات القطاعات الحكومية، ونجحت في استقطاب الجهات الحكومية، فمثلا تويتر نجح نجاحا باهرا، لا أعرف كيف وما سببه فعلا، في جذب الحكومة التويترية، من الآراء على المنصات الاجتماعية إلى ترمب الرئيس الذي قارب عهده على الأفول وما زال يستخدم تويتر حتى عند إقالته مسؤولا ما!

الحياة الرقمية قد تكون براقة ولامعة، بفضل الميزانيات الضخمة والملايين التي صرفت لتحسين الصورة الذهنية أو السمعة والعلامة أو إظهار الجهود أو التوعية وتقديم العروض للمشاهير لتغطية الأحداث والحملات الإعلانية والترويجية لكسب أعداد المتابعين..إلخ، وذلك عبر استراتيجيات بعيدة المدى وليس خبط عشواء.

طبعا لكل أمر سلبيات وإيجابيات، فالوصول لبعض الجهات أصبح سهلا، لكن من الأولى أن تسعى العديد من الجهات إلى تجويد عملها على أرض الواقع والميدان، وليس في العالم الافتراضي فحسب.

ومن منطلق الاستدامة المالية يجب تقنين وتقليل الصرف والإنفاق على هذه الأمور وتوجيهها لأشياء أكثر استدامة ونفعا، ووقف استخدام المشاهير للترويج لتغطية الأحداث الذي يعد أحد سبل الإنفاق غير الموجه بلا كفاءة. ومن السلبيات أن بعض الجهات لا تعكس ما تقوم به أو تنشره على وسائل التواصل الاجتماعي على موقعها الالكتروني! فالموقع بالمقام الأول يجب أن يعكس الخدمات المقدمة وكل شيء، وليس من المعقول أن نتابع المسؤولين والحسابات الرسمية لـ 30 جهة لنعرف ما يستجد! ولمعرفة خدماتها بشكل يومي ومستمر للحصول على المعلومات المهمة وعلى التوعية.

وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الطرق للوصول إلى المجتمع، ولكن ليس كل أفراد المجتمع يتابعون هذه الوسائل، فضلا عن أن لكل وسيلة فئة عمرية أكثر استخداما لها.

إن كانت جهة ما تريد أن تبث توعية بأنظمة وقوانين أو حقوق أو الخدمات، فلزاما عليها أن تصل لكل الشرائح، وتبحث عن طرق الوصول المجدية والأكثر ارتباطا بالفئات المستهدفة وبطرق متنوعة، وليس الاكتفاء بمنشور أو اثنين يلفهما النسيان بعد أيام، يجب البحث عن كل فئة، أين نجدهم والطرق الأكثر وصولا إليهم، فالناس متفاوتون، هناك من ليس لديهم اهتمام بوسائل التواصل وهناك فئة ذوي الاحتياجات الخاصة لفاقدي البصر أو السمع ..إلخ، أو فقراء لا يستطيعون توفير اشتراك دائم لتتبع أخبار مهمة لهم، ومن يكد ليكسب قوت يومه 12 ساعة لن يجد الوقت لمتابعتها، وكما تصل فاتورة الكهرباء والمياه على الجوال من المفترض أن يعرف الناس حقوقهم والخدمات المتوفرة بأسهل الطرق وأضمنها وصولا.

يجب أن نعي أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي شركات تجارية أولا وأخيرا، ونحن نغذي كثيرا من نجاحات تلك الشركات، المرتبط بزيادة عدد المستخدمين، وبالنسبة للمستثمرين نحن نمثل غذاء استمرارية الاستثمار فيها، وارتفاع أسهمها، فهي إحدى وسائل الإعلان، لذلك تسعى جاهدة لتطوير خدماتها وطرائق كسبها.

هل سمعت عن سياسة تقليص الوصول؟ بمعنى أن منشورك لن يصل للجميع، وهو أمر يختلف بين منصة وأخرى ومتغير، بعض الجهات والقطاعات الحكومية والخاصة تبذل الأموال لزيادة أعداد المتابعين! لننوه إلى جزء من اللعبة، مثلا لو بلغ عدد المتابعين 10 آلاف في فيس بوك فلن يصل منشورك إلا لنحو 5% منهم، وفي تويتر سيصل إلى 20%، والانستقرام 40%، وسناب شات نسبة الوصول فيه قريبة من 100%، وفي المستقبل ربما تتغير النسب، الأمر غير ثابت.

ومن المعروف أن هناك سبلا أخرى لرفع النسب المنخفضة كالهاشتاق والقصة. طبعا هناك وسائل أكثر جدوى، مثلا في التجارة الإلكترونية التركيز على عدد المتابعين ليس له قيمة أولى، فهو مضيعة للمال، بعكس أهمية التسويق بالمحتوى والترويج له.

في مجتمعنا ننساق من تطبيق إلى آخر بشكل سريع، لا أعلم السبب، ربما اختصاصيو الاجتماع والنفس لديهم تفسير لهذا. نعيش مرحلة تسود فيها الحياة الرقمية، والحكمة تقتضي الحذر منها ومن الإدمان عليها لما لها من آثار سلبية عديدة. لب الحديث الحذر من الانزلاق التام في الحياة الرقمية دون أهداف موجهة مدروسة، وبكفاءة إنفاق في أوجه النفع المستدام وتحليل القيمة المحققة من الميديا، تلك القيمة المالية المرتبطة بقيمة العائد والنفع.

@AlaLabani_1