عبدالله العولقي

الأيديولوجيا بين الصين والولايات المتحدة

الخميس - 17 ديسمبر 2020

Thu - 17 Dec 2020

الأيديولوجيا هي منظومة ثقافية عقدية فكرية تتمثل كإطار محدد للثقافة العامة والتفكير الذهني، سواء للفرد أم للمجتمعات عامة، حيث يلعب الإعلام الرسمي أو الاجتماعي دورا مؤثرا في إبراز هوية الأيديولوجيا وتمييزها عن غيرها من المجموعات الإنسانية، فهي نسق معين من الأفكار التي تحدد معالم السلوك السياسي والاجتماعي للهويات البشرية، وقد تشهد الحالة الأيديولوجية نموا وتطورا في جزئيات معينة من معالم تلك الهويات لكنها تظل بعيدة عن معالم التغيير الجذري إلا في حالة الصدمة الثقافية العنيفة التي تبدِل الحالة الأيديولوجية إلى درجة النقيض أو الأيديولوجيا المضادة.

لطالما تبجحت الحضارة الليبرالية الغربية بأنها تتمنهج على أرضية الثقافة المرنة وأنها لا تخضع لقيود الأيديولوجيا الصارمة على عكس الثقافة الشمولية مثلا والتي آلت منظومتها إلى الهزيمة النكراء كونها سحقت الإنسان وكرامته الطبيعية، فالصين كما هو معروف تاريخيا دولة شيوعية التوجه، لكنها خلعت رداء الجمودية بعد أن أدركت مثالبها الجسيمة، فالشيوعيون مثلا وكما يقول الأستاذ عبدالرحمن شلقم قد اخترعوا فكرة التأميم، وهي ثقافة لا تقتصر على إخضاع الإنتاج الزراعي والصناعي لقانون التأميم فحسب، بل إن الفكرة تتعدى في المفهوم الذهني لتشمل تأميم العقل، فقد أمم الشيوعيون كل شيء بما في ذلك عقول وأدمغة البشر!

بعد تفكك الأيديولوجيا السوفيتية، ظهرت أصوات النصر الإعلامي الغربي عبر بعض الكتاب الكبار مثل: ليبست وفوكوياما، وهي تعبر عن فكرة انتهاء الأيديولوجيا في العالم، وأن تأثير الأيديولوجيات بين الصراعات الثقافية لدى الشعوب الأممية بات هامشيا كما يقول الأستاذ زهير الحارثي، فالمعيار هو المصلحة لأن التحالفات القائمة اليوم هي تحالفات لحظية سرعان ماتنتهي بأفول نفعيتها، فالسياسة الأمريكية مثلا لا ترضخ في تاريخها التقليدي لأيديولوجيا ثابتة، فقط المصالح هي ما يحرك سلوكها وتوجهاتها.

اقتحمت الأيديولوجيا بصورتها العقيمة منطقتنا العربية خلال سبعينات القرن الماضي، حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط طفرة فكرية في تبني الأيديولوجيات العالمية، فاليسارية انتهت تقريبا بأفول نجم المعسكر الشرقي نهاية الثمانينات، بينما بقيت الأصولية اليمينية في نزاع ثقافي مجتمعي حتى الآن، ولا سيما أن عودة التأسلم السياسي مع أزمة الربيع العربي كان لها دور في توليد حالة جديدة من الأيديولوجيا المجتمعية المضادة، التي بعثت على منصات التواصل الاجتماعي كحالة رفض ثقافي شعبي لكل الأيديولوجيات الدينية المتشددة.

أخيرا، هل نحن أمام حالة تعاكسية زمنية للأيديولوجيا العالمية؟ بمعنى أن دولة مثل الصين الشعبية التي عرفت تاريخيا بأيديولوجيتها المتشددة قد أضحت متحررة لدرجة أنها تستعد للهيمنة على العالم عبر استراتيجية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي وقعتها مع 15 دولة في آسيا والمحيط الهندي، بينما في المقابل نجد دولة ليبرالية كالولايات المتحدة قد بدأت تتأدلج سياسيا بنظريات الانكفاء حول الذات، مستسلمة لشعارات داخلية ضيقة كـ «أمريكا أولا»، وهي الأدلجة الشعبوية التي انتهجها ترمب وسيسير على خطاها خلفه بايدن كما صرح وزير خارجيته المرتقب أنتوني بليكن، طبعا مع فارق القرارات الجريئة التي اتخذها ترمب ضد الصين والمهادنة التي أعلن بايدن أنه سيقيمها مع بكين.

ALBAKRY1814@