عبدالله محمد الشهراني

من الكريم؟ ومن الأمين؟

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

سأل رجل حاتم الطائي: هل غلبك أحد في الكرم؟ قال حاتم: نعم.. غلام يتيم من طي نزلت بفنائه ولديه عشرة رؤوس من الغنم، فذبح إحداها وطهاها وقدمها إلي، ولاحظ مني إقبالا على التهام «مخ الذبيحة» التي وضعها بين يدي، فجعل يغيب عني مرارا ويعود في كل مرة بطبق فيه «مخ ذبيحة»، كان يذبح رؤوس غنمه تباعا ويقدم لي مخ إحداها في كل مرة، دون أن أنتبه أنا إلى ذلك.

وعندما غادرت بيته لأرحل، وجدت حول البيت دما عظيما، فقد كان الغلام قد ذبح الغنم كلها. سألته لم فعلت ذلك؟ فأجابني - وهو محض غلام يتيم: تستطيب شيئا أملكه وأبخل به عليك! وحينها سأل الرجل حاتم: كيف عوضت ذلك اليتيم؟ وكان جوابه بثلاثمئة ناقة حمراء. فقيل: أنت إذن أكرم منه، فقال حاتم الطائي: بل هو أكرم، لأنه جاد بكل ما يملكه، وأنا جُدت بقليل من كثير.

كم من شخص ينعت بالبخل في العطاء، لأنه قدم - رفدا - بـ 100 ريال رغم أن راتبه لا يتجاوز 4,000 ريال، ويُمدح ابن عمه الذي قدم رفدا بـ 500 ريال وراتبه 40 ألف ريال! وأتذكر أن غنيا سئل: لو كان معك ألف ريال وطلب منك ريال واحد فقط، هل ستوافق؟ كانت الإجابة وبدون تفكير: نعم. وحين سئل: ماذا لو كان لديك مليار ريال وطلب منك مليون ريال.. فهل ستوافق وقتها؟ كانت الإجابة وبدون تفكير: لا.

ويسري الأمر نفسه على الأمانة، يأتي أحدهم مادحا نفسه.. أنا إنسان أمين، عملت طيلة حياتي دون أن أمد يدي على ما لا يحق لي. وليس هذا هو مربط الفرس، فالمعول عليه في هذا الصدد هو أن نسأل: هل سبق أن وجدت نفسك مع الفتنة وجها لوجه؟ هل كنت يوما ما أمام خيارات أو اختبارات حقيقية، وبقيت ثابتا وصامدا في مواجهة الغواية والفتنة؟ وكيف تصف نفسك بأنك أمين وأنت لم تكن يوما مسؤولا عن مصروفات أو خزينة، أو حتى إدارة لها ميزانية! وماذا نقول إذن عن شخص طرحت أمامه (رزم) الدولارات وعرضت عليه الصفقات المسيلة للعاب، فقال «إني أخاف الله».

كثيرا ما يكون الإنسان كريما بطبيعته، لكن هناك مقارنات غير منصفة تتجاهل مفهوم «النسبة والتناسب»، مقارنات تؤثر سلبا على تصرفات الناس، فقد يريد أحدهم أن يكرم شخصا ما، فيتردد خوفا من أن يعيره الناس بقلة ما قدم، لأنهم لم يعودوا يعترفون بمفهوم «الجود من الموجود». أما الأمين حقا فهو ذاك الشخص البسيط الذي تولى منصبا يتيح له التحكم في ميزانية مليارية، لكنه عاش مستور الحال ومات وثوبه ناصع البياض.

وبعد أن عرفنا من هو الكريم حقا ومن هو الأمين حقا، بقي أن نعرف أيضا أنهما من أسباب بقاء البركة على وجه الأرض.

ALSHAHRANI_1400@