شاهر النهاري

هدايا ابن إسرائيل البار

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

آمن رجل الأعمال الأمريكي اليهودي جاريد كوشنر بقضية إسرائيل العظمى، فنذر نفسه لها وفعل ما لم يكن يخطر على بال أحد، برؤية متقنة، بدأها بكسب ثقة الإسرائيليين، ثم نيل تعاطف الرئيس الأمريكي، والد زوجته إيفانكا، المؤثرة بثقافتها وحضورها في تنفيذ خطته صفقة العصر كلعبة شطرنج جعلت الأفيال تتعانق خراطيمها، والقلاع تتهاوى، ودون دموية أو استنزاف للوزراء والبيادق!

كان يخطط بصمت، وينفذ بدعم من والد زوجته، ومن مجلس الشيوخ الأمريكي، فتحول إلى بابا نويل، الذي لا يكل ولا يمل الطيران، على مزلجته المعلقة في الأجواء، تجرها ثمانية غزلان رنة طائرة تعرف وجهتها، وتحمل هداياه لكل من يقتنع بوجوده وتأثيره وكرمه، ثم يتوارى، خلف عجاج أحلام النائمين، ليبدؤوا أَصْباحاتهم بتفقد شجرة الكريسماس، بحثا عن هدية ظلوا يتمنونها طوال السنة.

وفجأة تضيق رؤية أعياد الميلاد على الفتى الأشقر كوشنر، فيسارع خطواته، قبل أن تنتهي فترة والد زوجته الرئاسية، وقبل أن يغيب الثلج، وتلتهب أجواء الرئيس القادم، بما قد يعكر خطته.

سرعة كوشنر تتحدى كل من حاول سابقا حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، معلنا بلسان الرئيس ترمب المصر على تنفيذ تطلعاته بحصول المعجزات، التي تحجرت مآقي المتخاصمين دونها لسبعة عقود، فنسمع عن صلح في الإمارات وهدية طائرات إف 35، وآخر في البحرين بوعود حماية من إيران، وثالث في السودان بهدية رفع العقوبات عنها، ثم يكملها بالمغرب، الذي حصل على هدية الصحراء الغربية.

إسرائيل، لم تكن تنظر لهداياه العينية، فظلت تحلم وتطمع بما سيتبقى لها في جعبته، من مناطق سلام وهيمنة، بين من كانوا يعادونها، فتتقدم خطوات خيالية على أعدائها الفلسطينيين ممن ضعفت شوكتهم، وضاعت قضيتهم، ولم يعد لديهم غير سلطة متناحرة، هداياها المأمولة تمويل ومرتبات.

ورغم عداء الديمقراطيين للرئيس ترمب، وتخوف الجمهوريين من الرئيس بايدن، إلا أن العم نويل أقنع الطرفين بجدوى هداياه، وأنهم قد يختلفون على أشياء كثيرة، إلا ما تمكن من زرعه في أنفس المتصالحين من بهجة وشعور بالأمن، ورغبة في القرب مع الأخ الإبراهيمي، الذي كانت منابر الدول العربية تلعنه وتكفره ليل نهار!

تغيير جذري عجيب في خرائط الرفض والتصدي، وخرائط التفاؤل والتواصل والسعادة، أبدع في رسمها بنفس قلمه، وألوانه، وبما يمكن أن يستمر طويلا، حتى ولو راهن البعض على زيف ألوانه وقرب سياحها.

السلام قد يكون نعمة، ولكنه قد يصبح نقمة إن لم تكن أسسه ذكية حريصة، تعرف ماذا سيكون، من هذا الأخ الإبراهيمي، الذي ظل مقطوعا لسبعة عقود، غير أنه ظل قويا شديد الحرص، يتأمل تطبيق حكاية وتد جحا، يدقه في جدران البيوت، ويقهر أهاليها باختراق خصوصيتهم، وإقناع أنظمة العالم، ومؤسساته الدولية بأنه صاحب حق، في كل أرضية ومساحة وجدار، ونافذة وباب، وأنه لا بد أن يمتلك مفاتيح الديار، ليطمئن على وتده، وربما يدخل بحماره، ويطردهم.

السلام مطلب عدالة ونماء للشعوب، وهو خير من التسلح والحروب، والجاسوسية والتهديد، والتاريخ لا ينسى، وكل من تهاونوا أو تسرعوا بهذا السلام، سيجعلون أنفسهم خصوما لشعوبهم وللتاريخ في حال ارتد عليهم هذا السلام، وسيظل السؤال العقلاني يتردد لدى الأجيال القادمة:

لماذا بهذه السرعة، وهذا التوقيت، وهذه الكيفية؟ وأين الحكمة والمعرفة والاحتراز، وضمان الحقوق؟

shaheralnahari@