عبدالحليم البراك

الدرس الأوروبي ضد العنصرية!

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

لا أعتقد أن مسألة إلغاء مباراة كرة قدم وفق أنظمة الاتحادات المحلية والقارية أمر سهل، وليس طبيعيا انسحاب فريقين بالاتفاق من المباراة، نتيجة ألفاظ عنصرية، حيث ذكرت تقارير صحفية فرنسية أن المباراة توقفت بسبب إساءات عنصرية وجهها الحكم الرابع إلى المدرب المساعد بيير ويبو للفريق التركي، الذي وصفه الحكم الرابع الروماني بـ»الرجل الزنجي»، حيث احتدم النقاش بين الطرفين، وقال ويبو إن الحكم تحدث إليه بعنصرية، واصفا إياه بـ»لفظ عنصري»، وكان عليه أن يخاطبه باسمه أو بوصفه عضوا في الجهاز التدريبي، كما قال للحكم: إنك لا تنادي الآخرين بألوانهم فلماذا تناديني بلوني، وتعاطف الفريقان مع هذه الحالة وتم إنهاء المباراة قبل نهايتها، بمن فيهم لاعبو الخصم، وهم لاعبو باريس سان جرمان، فماذا هناك فعلا:

- ستبقى العنصرية أسوأ ما يميز الإنسانية، ففي وقت لا يميز فيه الكائن الحي من الفصيلة نفسها بني جلدته، يقود الإنسانَ ذكاؤه وعقله وتميزه ليفضل لونه أو عرقه أو شكله أو روحه أو قبيلته على الآخرين، غير مستند إلى أي ميزة نسبية حققها بجهده وعرقه، بل بتاريخه الذي لا يملك له اختيارا.

- العنصرية ستبقى فعلا وردة فعل، وستبقى مثل النار في الهشيم، يضع العنصري الأول الزيت على النار، ليرد العنصري الآخر بزيت آخر على نار مشتعلة، وتبقى نار العنصرية لا تخفت!

- مهما شعرنا بأن العنصرية هدأت فإذا بها تخرج من تحت الرماد، وهذا يعني أنها ليست إلا مغطاة بغطاء من قش خفيف، فإن لم تعالج العنصرية من أصولها بالإدانة الأخلاقية والقانونية والثقافية فستظهر في كل مرة تأتي مناسبة مهمة وغير مهمة، يشير أحدهم لدين آخر أو لونه أو عرقه أو أصله فيرد الآخر بما هو أسوأ، والذي يدفع الثمن هو الإنسان أولا والإنسانية ثانية، وأخيرا تدفع الأجيال ثمن ذلك بالتأخير المطرد في تطور الإنسانية!

- العنصرية صورة بشعة للإنسان المتخلف، فهو في حالته العنصرية يميز نفسه بشيء غير مكتسب - كما أشرت سابقا - وهو بذلك يمنح نفسه ميزة لم يتعب بها كثيرا، بل اكتسبها نتيجة تخلف الإنسان في تقييم الآخر، وهنا تظهر نقطة مهمة للغاية، وهي أن تقييم الإنسان ينشأ قبله وليس بعده وبعد إنتاجه ولعل هذا أسوأ ما يمكن أن تفعله البشرية بنفسها، فبدلا من أن تجعل قيمة الإنسان في إنتاجه، تجعل قيمة الإنسان في تاريخه غير المكتسب!

- يجري استغلال وتوظيف العنصرية بشكل ساذج وسطحي على البسطاء، مقابل أن يحصل أولئك الذين يقومون بتوظيفها لصالحهم بإشعال فتيلتها في دوائرهم الخاصة لتحقيق مصالح خاصة، تحت غطائها وتحت غطاء النصرة لبني جنسه في اللون أو غيره، فهذا سوء آخر على سوء أسوأ!

أخيرا، ومما لا شك فيه أن صورة العنصرية تكاد لا تحصر، فهي تتقلب وتتغير وتتلون، بهدف تغلب الجانب الشيطاني في الإنسان على الجانب الخيري فيه، وإن ترك الإنسان هناك أو هنا زمام الأمور لتسير كيفما اتفق، فقد أذن بهلاك نفسه وقومه وتاريخه قبل الأوان!

Halemalbaarrak@