مرزوق بن تنباك

ماذا تعني بما تقول؟

الثلاثاء - 15 ديسمبر 2020

Tue - 15 Dec 2020

مقال الأسبوع الماضي بعنوان (ما بين الدين والثقافة الدينية) حمل استشكالا لدى بعض القراء، وتساؤلا مبطنا بالشك وسوء القصد من العنوان، ويظهر لي - والله أعلم - أن بعض من علق على الموضوع لم يقرأ المقال كاملا، وإنما اكتفى بالعنوان (الدين والثقافة الدينية)، وأقام ملاحظته واستشكاله على ذلك وعلى ما يتصوره من الفصل بينهما، وكيف يتم الفصل بين الدين والثقافة.بل بعضهم زعم بعلم مؤكد عنده أنه لا يوجد فاصل بينهما، ولا يقبل حتى ذلك إن وجد، وأقلهم اعتراضا من طلب تعريف الثقافة الدينية التي يمكن ممارستها مع المختلف، وما الدين الذي يبقى عندما تفصل عنه ثقافته الدينية؟ وأسئلة كثيرة لا أدري كيف خطرت في ما عرضوا من التشكيك في سلامة قصد الكاتب، وما يريد، وما الفرق عنده بين الثقافة والدين، ولماذا دعا لثقافة غير دينية يتعايش المسلمون بها مع غيرهم، إذن لا بد أن يكون وراء الأكمة ما وراءها.

كاتب المقال يعرف جيدا حسن نوايا هؤلاء وحساسيتهم لكل تقارب أو تعامل مع غيرهم، حتى في الثقافة الواحدة، ويعرف أن سبب ذلك هي تلك العزلة الثقافية والوحشة المستمدة من بعض نصوص تراث الماضي، التي فرضت على الناس زمنا طويلا، وأعقبت تباعدا دائما مع الآخر ثقافيا وليس دينيا فحسب.

ولم يدرك المتسائلون أن الكلام موجه للمسلمين الذين أصبحوا سكانا في الغرب ويعانون من مشاكل كثيرة، ولا سيما في الآونة الأخيرة بعد الأحداث المؤلمة التي حدثت في فرنسا، مما أشعل الحديث عن صعوبة التعايش بين المسلمين في الغرب ومجتمعهم الجديد، الذي فرضت عليهم الظروف ذهابهم إليه، حتى تدخل السياسيون الغربيون ووصفوا الإسلام بما ليس صحيحا، ولم يميزوا بين الإسلام وما يرتكبه جهلة المسلمين من أعمال خارجة على العرف والمألوف اجتماعيا ودينيا.

كان هذا هو المراد الذي حاول المقال معالجته، وهو موجه في جملته للمسلمين الذين يعيشون في الدول التي لها ثقافة وآداب وسلوك مختلفة عما يعرفون ويألفون في بلادهم وثقافتهم، ويواجهون وضعا قاسيا وحرجا كبيرا فيما يظهرون به في بعض الأحيان من سلوك ومظاهر مخالفة للسائد في تلك البلاد، لكن الذين استشكلوا الأمر لم يكونوا هم المعنيين ولا هم الذين يعيشون المشكلة ذاتها، ولكنهم البعيدون عنها ولا يعرفون ما يعانيه الناس هناك ولم يجربوا شيئا مما يتحدث المقال عنه ويناقشه.

وما حملهم على الاعتراض هي تلك الرؤية المسبقة والشك الدائم عندهم، والتحفز للخطر الذي يمكن أن يسببه مقال عابر لا يتفق مع ما في مخيلتهم وما في موقفهم الذي لا تصالح فيه مع الغرب، ولا مجال في رأيهم لمناقشة العلاقة التي يمكن أن تكون بين الناس على مختلف الأديان، ولا يرون التعايش مع غير تراثهم وثقافتهم ولو كان لضرورات المسلمين وحاجاتهم.

وهم حين يضعون أنفسهم موضع المنافح عن حياض الدين لا يعيشون ظروف المسلمين في الغرب ولا يتعايشون معها، وانفصالهم فكريا واجتماعيا عما يتحدث المقال عنه هو سبب تساؤلهم غير المقبول، فما شأنهم وما علاقتهم في وضع وحال كفاهم الله مؤونته؟ وكان الأولى ترك الأمر لمن يعيشون الوضع ويواجهون الصعوبات التي لا يواجهها المقيمون في بلادهم المسلمة وفي ثقافتهم المستمدة من دينهم.

إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وحيث إنهم لا يعرفون شيئا كثيرا عن وضع المسلمين هناك، ولا يدركون المعاناة التي يعانيها المغتربون ولا يتصورون الضرورات كما هي، فإن اعتراضهم في غير مكانه، وهو تكلف فيما لا علم لهم به، ومن عوفي فليحمد الله.

Mtenback@