مرزوق بن تنباك

ما بين الدين والثقافة الدينية

الثلاثاء - 08 ديسمبر 2020

Tue - 08 Dec 2020

قد يكون عنوان الكلمة أعلاه ليس واضحا أو غير مسموع في الوسط الثقافي في المجتمع المسلم، لأنه لا يوجد بين الدين والثقافة الدينية فصل في ظاهر عموم المدرك الإسلامي، وفي المجتمع الذي يستمد ثقافته من المحيط الذي يعيش فيه ويمارس تصرفاته مصبوغة بصبغة الدين الذي يسود حياته كلها.

أما عندما يعيش الإنسان في مجتمعات متعددة الثقافات متنوعة المصادر ومختلفة في الاتجاهات في القيم والمسلمات والأديان والمعتقدات، فإن الثقافة هنا تكون مختلفة عن الدين أو يصبح الدين شأنا خاصا، وتصبح الثقافة شائعة ومشتركة بين الناس في مظاهرها العامة.

ولعلي أضرب مثلا لتقريب هذه الفكرة بحال المسلمين في الغرب وما يواجهونه من مشكلات مع الثقافة السائدة فيه، وهي ثقافة مختلفة عن معهودهم وسلوكهم المستمد من دينهم وعاداتهم، وحين يذهبون إلى الغرب ويعيشون فيه يرون أنهم يعيشون في ثقافة تستمد عناصرها ومظاهرها من ثقافة ودين مختلفين عن دينهم وثقافتهم ولا يستطيعون التكيف معها بسهولة.هنا يحصل عدم انسجام بين القادمين للحياة في الغرب الذي تسود قيمه ثقافة مختلفة عن ثقافتهم وعاداتهم وتقاليد حياتهم، ويلاقون عنتا ومشقة في التكيف مع المجتمع الجديد الذي يفضلون الحياة فيه أو حتى حين تجبر بعضهم الظروف في بلادهم لاختيار اللجوء للغرب وثقافته والعيش فيه على أي حال كانوا.

ويضاعف المشكلة الثقافية عند المسلمين في الغرب عدم التمييز بين الدين وبين ثقافته الدينية التي تحكم مظاهر الحياة في البلاد الإسلامية، وتختلف تلك الثقافة عما في الغرب من عادات ثقافية ومواضعات اجتماعية يرون تقبلها أو التكيف معها أمرا صعبا عليهم، يعاني منها المسلمون الذين يعيشون في بلاد ليست ثقافتها وليس الغالب على أهلها الإسلام.

لا شك أن هذه معضلة كبيرة تواجه المسلمين في مستقرهم الجديد، وتواجه الغربيين الذين يرون تنازعا وانفصالا عن ثقافتهم الاجتماعية وأعرافهم المتفق عليها بينهم من هؤلاء القادمين إليهم، الذين يمارسون طقوسا وثقافة مختلفة عما يعرفونه ويألفونه، واختلاف الثقافات وتعارضها أمر طبيعي ومحتمل عندما تكون متمايزة ومتباعدة ومستقلة، أما عندما تكون متقاربة ومتعايشة وقائمة في مجتمع واحد فإن الثقافة الغالبة تستوحش ما تراه غير منسجم مع تقاليدها، وتكون النتيجة الحتمية عدم انسجام مع الثقافة الوافدة والمختلفة ويصبح كلا الطرفين ضدا للآخر.

ولكي يتجاوز المسلمون الانفصال عن المحيط الثقافي الذي حكمت عليهم ظروف الاستقرار فيه، لا بد أن يفرقوا بين الدين بأركانه وثوابته وبين الثقافة الدينية بمفهومها الواسع، فأنظمة الغرب العلمانية تضمن لكل من يعيش فيه حرية العبادة وممارسة تعاليم دينه كما يرى ويعتقد، ولا ضير في ذلك ولا مانع منه.

أما الثقافة الدينية فهي شيء مختلف عن الدين، وهي موضع الاستشكال عند الطرفين، وحين يمارس المسلمون القادمون إلى الغرب ثقافتهم الدينية خارج المساجد والمراكز الإسلامية، فإن ذلك يضع حاجزا ثقافيا بينهم وبين مجتمعهم الذي أصبحوا يعيشون فيه، ويصعب الاندماج مع المختلف عما يسود في مجتمعهم الذي قدموا منه، لكن التمسك بالعادات الدينية والمظاهر المألوفة في الثقافة الدينية هو الذي يباعد بينهم وبين المجتمع الجديد، وهي في حقيقة الأمر ثقافة وعادات وقيم وتقاليد ليست مما يوجب الدين التمسك به والمحافظة عليه.

والحل الممكن هو الفصل بين الدين وواجباته وشروط صحته والمحافظة عليه وبين العادات والتقاليد التي لا تتعلق بصميم الدين، ولا بد من الفصل بينهما حتى يصلح التعايش الطبيعي الذي تدعو إليه الضرورة ولا ينافي ثوابت الدين وفضيلة التدين.

Mtenback@