طلال الشريف

المهارة صِنوة المعرفة

السبت - 05 ديسمبر 2020

Sat - 05 Dec 2020

وقع الرئيس الأمريكي قبل أشهر بروتوكولا يتضمن تعليمات لفروع الحكومة الفيدرالية بالتركيز على المهارات بدل الشهادات في اختيار الموظفين الفيدراليين، وفهمه البعض بأنه إلغاء للشهادات العلمية في عملية التوظيف، وهو فهم خاطئ، لأن المقصود في مضمون البروتوكول إعطاء الأولوية لمهارات الوظيفة بالإضافة إلى الدرجة العلمية أو الشهادة، وأجزم بأنه بروتوكول عملي لدفع المؤسسات التعليمية، خاصة الجامعات، نحو ربط محتوى التعليم باكتساب المهارات، فلم تعد رسالة المؤسسات التعليمية رسالة معرفية بحتة كما كانت في الماضي، بل توسعت أدوارها إلى الاهتمام بإكساب الأفراد المهارات العامة والتخصصية وتوظيف المعارف والعلوم في تنمية المجتمعات ببناء الإنسان والمكان.

وفي وقتنا الحالي ومع التغيرات في طبيعة الوظائف ومتطلبات شغلها والمنافسة في سوق العمل، لم تعد بالفعل الشهادة العلمية مسوغا كافيا للحصول على الفرصة الوظيفية ما لم تكن معززة بمستوى كبير من المعارف والخبرات والقدرات الشخصية، التي تمكن الأفراد من إنجاز أعمالهم ومهامهم الوظيفية بكفاءة وفاعلية عاليتين، ولكن يبقى هناك عديد من التساؤلات المهمة لتحقيق هذا التوجه العملي: هل مسؤولية الجامعات تحقيق ذلك التوجه؟ وهل تستطيع الجامعات تحقيقه بسياساتها وبتنظيمها وبمواردها وإمكاناتها وطبيعتها وبرامجها ومساراتها العلمية والعملية؟ وهل هناك ثقة كبيرة في قدرة الجامعات على التأهيل المهني المحترف؟ وهل ستفتح القطاعات العامة والخاصة أبوابها للجامعات لفهم متطلباتها ومواصفات شاغلي وظائفها؟ وهل سيدعم هذا التوجه تطوير وظائف الجامعات دون إخلال بطبيعتها العلمية؟ وهل للجامعات دور في سن التشريعات المناسبة لتحقيق ذلك التوجه؟

والإجابة عن هذه الأسئلة المهمة تملكها الجامعات، وتستطيع أن تجعلها منطلقا لتحقيق هذا التوجه العصري في مناخ أكاديمي يتسم بالحرية والاستقلالية الفكرية والإدارية والمالية، والعمل على تطوير طبيعتها وأهدافها ورسالتها وإعادة تصميم هياكلها وبناها الداخلية وخططها وعلاقتها بمجتمعها بشكل مختلف جذريا عن واقعها الحالي، والقيام بدورها في قيادة مشروعات التنمية المستدامة، والتركيز على تغيير الثقافة المجتمعية المتعلقة بشغل الوظائف لتخرج من بوتقتها الضيقة المحصورة في الشهادة العلمية كمعيار رئيس للتوظيف إلى مجال أرحب وفضاء أوسع مبني التأهيل العلمي والعملي المناسب في آن واحد.

لقد آن لجامعاتنا أن تستجيب لهذا التوجه والتفاعل مع متطلبات التحولات المعاصرة، بما يعزز فاعليتها المجتمعية والتنموية ويلبي احتياجات سوق العمل الحكومي والخاص، ويخفض تكاليف إعداد الموارد البشرية، ويقلل نسب البطالة المزعجة ويحقق التكامل والانسجام بين الجامعات وسوق العمل، بمنظور متوازن يقوم على رؤية استراتيجية مستقبلية مدروسة تشارك فيها كل الجامعات الحكومية والأهلية والقطاعات الحكومية والخاصة، ويمكن لوكالة الوزارة للتعليم الجامعي تبني هذه الرؤية المستقبلية بحكم مهامها المتعلقة بتنفيذ أهداف وسياسات الوزارة في مجال تنظيم العمل الجامعي، أو مبادرة بعض الجامعات المتميزة بشكل منفرد أو جماعي نحو صياغة رؤية استراتيجية مستقبلية تخدم هذا التوجه المهم والمنسجم بدرجة كبيرة للغاية مع توجهاتنا وأهدافنا في 2030.

@ drAlshreefTalal