عبدالحليم البراك

تشابه المتناقضات!

الاثنين - 30 نوفمبر 2020

Mon - 30 Nov 2020

هذه إحدى سنن الله في الحياة، تتشابه المتناقضات أحيانا فيفقد الإنسان تركيزه في التمييز بين المتناقضات حتى يكاد يراها شيئا واحدا، أو يعكس تقييمه فيها، فيذهب تقييمه في الاتجاه الخاطئ، والموضوع معقد ومتشابه وكبير للغاية، ويمكن تصوير تعقيده - على سبيل المثال - في تشابه العلوم لأنها تأخذ الأدوات البحثية نفسها، بينما العلوم فيما بينها متناقضة، فأحدها يعتمد على المادة والآخر يعتمد على العقل رغم أن الأداة واحدة، وترى النجم البعيد وكأنه صلد وهو سديم، وترى السديم مفتتا عن بعد، وهو صلب لا يخترقه إلا بعض ما يتهيأ لك من تشكيلات، لكن توجد صورة مبسطة في تشابه المتناقضات، فالرياح واحدة، ولا تدري أهي ريح صرصر أم رياح لقاح ونعمة، بل الموضوع يهبط من تعقيدات الكون والعلم والحياة إلى سلوك الإنسان فنراه في أوضح صوره:

- نرى الغبي صامتا ونرى الذكي صامتا أيضا، وشتان بين الصمتين، فالصمت لغة الاثنين والفرق أن أحدهما لا يعرف، فلا سبيل له إلا الصمت والهدوء والركون للجانب الأسلم، والذكي صامت لأن ذكاءه أوصله إلى أنه - إن استوعب القضية، أو استوعب أن الناس في نزاعها لن تدرك العلم - من الأجدى الصمت، فالكلام لا ينفع!

- قائد السيارة المتهور يجوس بجرأة بين السيارات، والقائد المحترف الجريء يقوم بالشيء نفسه، فتقول عن الأول ما تقوله عن الثاني، ما لم تر ما يثبت تهور الأول وجرأة وحِرفة الثاني، فلا تميز بينهما رغم التناقض الجلي، والحكم في الأول والأخير ليس على النتيجة فحسب، بل على تكرار النتيجة! وهو العبور أو الاصطدام!

- تشاهد الحكيم والأحمق يجتمعان في صفات معينة كالوحدة مثلا، فالأول شدة تميزه عن الناس وعما حوله جعلته يستمتع بوحدته التي لا يقدرها سواه، بينما الأحمق أفعاله الحمقاء تركته وحيدا لا يطيق إلا نفسه، ولا يقترب إلى ما سواه، وهذا التشابه هو تشابه المتناقضات في صفة واحدة.

- كما يتشابه العالم والجاهل أحيانا لو استعجلت في الحكم عليهما، فإن كان الصمت أو التردد يلجمان العالم أحيانا، لأنه مؤمن بمبدأ «إن اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» صارت أي عبارة لا تؤدي المقصود، فتعجز اللغة عن الوصف، وربما تردد الجاهل عن الإجابة - لجهله- فظن الآخر هذا التردد عن علم وإحاطة، وضاقت به العبارة هو أيضا، لكن ما ضاق به هو الجهل لا العلم، ولم تربكه اللغة، بل أربكه عدم الإحاطة علميا بالشيء والادعاء الذي حاول أن يلبسه أو يتلبسه!

- يتشابه العاشق والكاره أحيانا، فالعاشق قد يؤذي معشوقه حبا وحرصا وعناية، ومن شدة الحب أيضا قد يصيب حبيبه بالمضرة، والكاره قد يصيب الآخر بالإيذاء بزعم العشق والحب والتقدير، ولكن الحقيقة شيء والواقع شيء آخر، فلا تمييز بينهما إلا بالمعرفة التامة!

بقي أن نقول إن هذه ليست قاعدة لكنها دليل مثير للانتباه، لكن كلما أمعنت النظر رأيت أن المتناقضات تتشابه، وستجد عشرات الأمثلة اليومية على تشابه المتناقضات، لكن سؤالك الذي يتردد في ذاتك ولم ينطق بعد: ماذا نستفيد من معرفة تشابه المتناقضات؟ أقول لك: ألا تحكم بسرعة على الأشياء فقد تحكم والصواب نقيضه، فتقع أنت في نقيض ما تتمتع به من ذكاء وفطنه؟ كما أننا نستفيد من أن أولئك الذين يستعجلون في الحكم على الأشياء هم الأكثر خسارة لها، فتجنب الخسارة وكن صديقا للحكمة!

Halemalbaarrak@